صورة مركبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمغنية أدال.(أرشيف)
صورة مركبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمغنية أدال.(أرشيف)
الثلاثاء 24 يناير 2017 / 20:16

رسالة كولونيل ماركيز وأغنية ترامب

كم يبدو حظٌ دونالد ترامب سيئا ومنكوداً إذا تمت مقارنته بحظّ كافور الإخشيديّ الداهية الذي استطاع ان يقنع سيد الشعراء أبا الطيب المتنبي بأنه ابو العطر الفواح، ويمدحه ويستعطفه

1-
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحب الغناء ونجوم الغناء، ولكن كبار نجوم الغناء رفضوا أن يكونوا في سماء البيت الأبيض لإضاءة عرس دونالد وميلانيا ترامب .

2-
رواية الكاتب الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز الأولى قصيرة ومكثفة، وحملت عنواناً لافتًا: "لا أحد يكاتب الكولونيل" وبطلها عسكري متقاعد فقير يعيش مع زوجته العليلة، وينتظر مراسلة مالية مضمونها راتبه الذي لا يأتي، فقد ظل يتوجه يومياً الى مكاتب البريد سائلاً عن بريده ولكن لا رسالة، ولا حوالة، والطريف أن هذا الكولونيل حريص على هيبته، ويصر على أن يرتدي بدلته الوقورة بما يليق بمقامه العسكري السابق وأمام الجميع في الشارع، واضطرته الظروف إلى أن يراهن على تربية ديك وتدريبه على مسابقة صراع الديكة، ثم بيعه وكانت زوجته أيضاً معولة على هذا الحيوان الذي سيحل لهما مشاكل كثيرة أبرزها مصاريف الدواء وموادّ العيش، ولكن ديك المسابقة، بعد العناية الفائقة والمصاريف اللائقة يخسر الرهان رغم أنفه، لأن حلبة السباق مغشوشة، وديك الكولونيل لم يربح الجولات مع الديك المنافس لأنه كان يتصارع مع أكثر من ديك، والمشرفون على المسابقة يغيرون له ديكاً جديداً بين جولة واُخرى، وفي آخر الرواية، يعود الكولونيل إلى زوجته التي تسأله: وماذا سنأكل، فيجيبها: الأوساخ.

3-
"لا أحد يكاتب الكولونيل" هو عنوان هذه الرواية، وقد صار صيغة متداولة وهي التي أوحت بالعلاقة بين الرئيس دونالد ترامب وكولونيل ماركيز،  حين صار الرجل الغني رئيسَ أقوى دولة في العالم مفتقراً إلى اهل الطرب حتى ينشدوه في مناسبة خاصة وخرافية لا تتكرر هي حفل التنصيب في البيت الابيض .

وهكذا لا أحد تجرّأ أو قَبِل الغناء في هذا الحفل!

بل ان المطربين والمطربات وقطاعاً واسعاً من أهل الفن والمسرح رجالاً ونساء خاصة، صاروا يصرخون وينددون احتجاجاً على ما رأوه من عيب في الشعب الذي اخطأ حين انتخب دونالد ترامب.

4-
قبل الدخول إلى البيت الابيض 20 يناير 2017، وخلال الحملة الانتخابية، كانت المغنية الإنجليزية "آدال" (التي بلغ توزيع ألبومها 6 ملايين نسخة) قد غضبت على ترامب لأنه استخدم أغنية لها في أحد مهرجاناته الانتخابية، وقالت المغنية إنها لم تسمح، ولم ترخص باستغلال أغانيها في حملة ترامب، وأنها لم تستشر في الأمر، وكانت كلمتها الاحتجاجية على ترامب قد بلغت نسبة مشاهدة قاربت المليار نسمة على اليوتيوب. والمطربة الكولومبية (اللبنانية الأصل وصديقة غارسيا ماركيز) شاكيرا التي علقت على الخطاب الحاقد الكريه لترامب حول الهجرة المكسيكية الى الولايات المتحدة، وأما المطربة النجمة الأمريكية مادونا فكتبت أنها فكرت في تفجير البيت الابيض قبل دخول ترامب.

ومن أشهر اهل الرفض في الغناء لترامب نجد كلاًّ من "سيلين ديون" و"إلتون جون".

5-
ورياح الرفض للرئيس مسّت ثوبَ السيدة الأولى ميلانيا ترامب!

فلا أحد رضي بأن يُصمم لباس السيدة الاولى، وكبار المصممين مثل مارك جاكوبس وتوم فورد وغيرهما اعتذروا عن تصميم كسوة السيدة الأولى لو لم يتقدم الخياط الأمريكي الشهير رالف لورين ويقرر تصميم معطف ميلانيا ترامب السماوي الذي تدفٌأتْ برؤيته ملايين أنظار الرجال والنساء في الدنيا قاطبة .

6-
لا أحد يرغب في الغناء للرئيس الملياردير الامريكي دونالد ترامب، لا لأنّه ثري جداً، ولكن لأن سيرته وخطاباته ووعوده الانتخابية، وعداءاته العنصرية والدينية والعرقية كانت مجانية ولم تحل على فكر رئيس للعالم ولهجته مليئة بالتعالي والغرور، وتحمل منسوباً عالياً من النرجسية والتعجرف، وهي لم ترق لأهل الفن والذوق والآداب الذين لم ينتخبوه أو يحبوه أن ينجح.
  
- لكن البعض معجب بترامب لأنه يستنشق من تصريحاته رائحة قفشات ظريفة كان يطلقها الرئيس الليبي الراحل العقيد (الكولونيل) معمر القذافي.

7-
لقد قلقت السيدة الأولى ميلانيا على فستانها كما قلقت زوجة كولونيل ماركيز على الديك المترشح للفوز في صراع الديكة، حتى يتمكن من بيعه والانتفاع بثمنه، وإذا أحبط الغشُّ قدرةَ الديك في الصراع، فقد تدخل الغش في اللعب ليجعل الديك القادر القوي المدرب ديكاً مهزوماً.

وإذا عاشرت زوجة ترامب حلمها بالدخول إلى البيت الأبيض، فقد كانت تنظر إلى زوجها باعتباره الديك الذي انتصر.

8-
وإذا كان لا بد من الحديث عن وجه شبه بين زوجة الكولونيل والسيدة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية، فالامر كامن في أن الزوجتيْن الاثنتيْن كانتا مرتبطتيْن بلعبة زوجين:

زوج يلعب في حلبة اجتماعية ورأسماله ديك مدرب ومربَّى من أجل الصراع، يرغب في أن يبيعه بالسعر الأعلى لحل مشاكل الاسرة الغذائية والصحية. ويفشل الديك. وزوج آخر يلعب في أكبر حلبة سياسية في العالم، ولا رأسمال له غير رأس المال المالي والمواعيد بالانتقال من إدارة بامريكا من عهد أوباما الى عهد ترامب، ولكن هذا الرجل الغني كان فقيراً إلى نجم أو نجمة في الغناء يوم تنصيبه في البيت الابيض.

9-
كم يبدو حظٌ دونالد ترامب سيئا ومنكوداً، إذا تمت مقارنته بحظّ كافور الإخشيديّ الداهية الذي استطاع ان يقنع سيد الشعراء أبا الطيب المتنبي بأنه أبو العطر الفواح، ويمدحه ويستعطفه ويغني له مخاطباً:

"أبا المِسْكِ، هل في الكأسِ فَضْلٌ أنالُهُ
فإنّي أُغَنّي منذُ حينٍ وَتَشرَبُ".