الصحافي البريطاني ديفيد هيرست.(أرشيف)
الصحافي البريطاني ديفيد هيرست.(أرشيف)
الجمعة 27 يناير 2017 / 19:52

"سيد قطب" وعهد دونالد ترامب!

إذا حاولنا استشراف السلوك المتوقع للإخوان في عهد ترامب بناء على الرسالتين السابقتين فيمكن لنا القول إنه سيكون سلوكاً إرهابياً بامتياز وهو ما اعترف به هيرست نفسه

منذ إنشاء نشرة "ميدل ايست آي" قبل أكثر من ثلاث سنوات تحولت إلى نشرة شبه رسمية ناطقة بلسان جماعة الإخوان المسلمين وتحديداً "الجماعة المصرية"، وتحول مدير تحرير هذه النشرة أو الموقع الإلكتروني المرخص في لندن "ديفيد هيرست" إلى الناطق بلسان الإخوان والعقل السياسي الذي يُحلل ويرسُم الرؤى السياسية للجماعة حيال مجمل قضايا الشرق الأوسط والعالم، وفي مقاله الأخير بعنوان "ترامب هو الإرث الحقيقي لباراك أوباما" يكشف هيرست عن مدى النقمة التي تعتمل في صدور قيادات الاخوان وبعض الدول التي ترعاهم وترعى هيرست نفسه وموقعه الإلكتروني على الرئيس الأمريكي السابق أوباما والذي وصف فترة حكمه بأنها "خداع في غاية القسوة" ووصفه بقوله (أن أوباما لم يكن فاعلاً في التغيير وإنما كان هو المفعول به) كما حمله وبسبب تردده وسياسته الحذرة في الشرق الأوسط وبخاصة تجاه ما جرى في مصر وما يجري في سوريا مسؤولية فشل مشروع "أخونة الشرق العربي" وأشار هيرست في مقاله إلى "عجز أوباما أمام ما أسماهم المتنمرين من أمثال بوتين، نتانياهو، عبد الفتاح السيسي "الذين استثمروا غياب أمريكا لتحقيق أجنداتهم السياسية.

هذه القسوة على أوباما تعكس في ذات الوقت مدى مرارة الأمل المفقود الذي كانت تمثله هيلاري كلينتون التي كانت من الناحية العملية هي "العقل المخطط" للتحالف بين الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي والإدارة الديمقراطية السابقة والتي كانت الجماعة تعول على وصولها للبيت الأبيض الآمال العريضة لاستعادة "دينامكية" الربيع العربي وتغيير معادلات الصراع مع الأنظمة العربية الحاكمة وإعادة التاريخ لحراك الميادين والشوارع وشعار "الشعب يريد إسقاط النظام".

في هذا المقال حاول هيرست الذي "أشبهه بسيد قطب" بالنسبة للجماعة التي باتت تختزل مواقفها السياسية في كتاباته وتحليلاته، حاول إيصال رسالتين في غاية الأهمية وهما ما يلي:

الرسالة الأولى تحذير لإدارة ترامب من دعم "الديكتاتوريات في المنطقة" حيث سمى الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واعتبر أن من شأن ذلك إشعال المنطقة ولكنه لم يوضح كيفية حدوث ذلك ولماذا؟ ولأنه لم يوضح ويفسره استنتاجه هذا فاني اعتبر هذا التهديد مجرد "إفلاس سياسي" للجماعة.

أما الرسالة الثانية فهي تحذيره الرئيس ترامب من توقيع قانون حظر جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جماعة إرهابية وقال ما نصه: (إذا ما وقع ترامب على القانون فإنه بذلك سيدفع بملايين الإسلاميين ممن يشكلون أكبر حزب سياسي له وجود في معظم البلدان العربية إلى حضن القاعدة، وبذلك سيمنح ترامب القاعدة أعظم أعطية كانت تحلم بها، تفوق بمراحل ما قدمه لها السيسي من خلال انقلابه العسكري الذي نجم عنه تحول أعداد كبيرة من الشباب المحبط إلى صفوفها) انتهى الاقتباس.

وفي هذا التحذير يتورط هيرست من حيث يدري أو لا يدري بالاعتراف بأن الإرهاب في مصر هو "صناعة إخوانية" وإشارته لتحول الشباب المصري المحبط على حد قوله إلى تنظيم القاعدة تحليل مضلل، وفي الحقيقة إن تنظيم الإخوان بعد فشله في الاستمرار بالحكم بمصر لجأ إلى الارهاب كنوع من أنواع الثأر والانتقام من الدولة المصرية وبخاصة المؤسسة العسكرية التي اجهزت على "حكم المرشد" وأكبر دليل على ذلك العمليات الارهابية في سيناء التي كانت ولازالت تستهدف القوات المسلحة المصرية بصورة مخططة ومنظمة.

وإذا حاولنا استشراف السلوك المتوقع للإخوان في عهد ترامب بناء على الرسالتين السابقتين فيمكن لنا القول إنه سيكون سلوكاً إرهابياً بامتياز وهو ما اعترف به هيرست نفسه، ومن ناحية عملية فإن الجماعة كانت ومازالت تملك خطوطها السرية بما يسمى بالجماعات الجهادية المتطرفة كالقاعدة التي ركز عليها هيرست دون غيرها بالإضافة للجماعات الأخرى بالمسميات المختلفة ذات اللون الواحد والإيديولوجية الواحدة، وهو ما سوف يسهل إعادة انتاج الإرهاب بدرجة أكثر قسوة من مرحلة ما بعد سقوط النظام العراقي السابق عام 2003 ومرحلة الحرب في سوريا منذ عام 2011 وسقوط نظام الإخوان في مصر عام 2013.

من الملفت في المقال تلك الإشارة الغريبة لديفيد هيرست إلى وليد فارس مستشار ترامب السياسي لشؤون الشرق الأوسط الذي يتبنى إدراج الإخوان على قائمة التنظيمات الإرهابية و قدمه على أساس أنه "مسيحي ماروني وانه صاحب تاريخ أسود في دعم المليشيات اللبنانية اليمينية المتطرفة التي ارتكبت جرائم حرب أثناء الحرب الأهلية في لبنان قاصداً عضويته في حزب القوات اللبنانية بزعامة الدكتور سمير جعجع، ومن هذا الوصف لفارس يمكن لنا تخيل كيف يتحول كاتب سياسي بريطاني ومسيحي يدافع عن الحريات والديمقراطية الى "أخ مسلم متعصب" يرى الآخر بعين "دينية وعنصرية"، وهي حالة من الانهيار الفكري والسياسي وفيها من "الشيزوفرنيا" ما يعكس بصلافة الغايات السياسية للإخوان والتوظيف المبتذل "للدين" والتستر به .