تظاهرة احتجاجاً على أزمة الكهرباء في غزة.(أرشيف)
تظاهرة احتجاجاً على أزمة الكهرباء في غزة.(أرشيف)
الأحد 29 يناير 2017 / 20:03

الإمبراطور عارياً في غزة!

لعل أسوأ ما في عدم الكفاءة، التي وسمت سلوك حماس بوصفها سلطة مهيمنة على قطاع غزة، أنها تحاول تبرير الأخطاء والخطايا بالبلاغة الوطنية، والعبارات الكبيرة (التي أصبحت موضع سخرية)

استولى الإخوان المسلمون على قطاع غزة، في انقلاب عسكري، قبل عشر سنوات. وهي العشرية الأسوأ التي مرت على القطاع وساكنيه منذ 1948. وعلى الرغم من عدد لم يعد يذكره أحد من محاولات ومبادرات "المصالحة"، وإنهاء "الانقسام"، إلا أن أحداً من الفلسطينيين لم يعد يأخذ محاولات كهذه على محمل الجد، ولم يعد يقرأ حتى ما تكتبه الصحف.

وفي ظل غياب كل ضوء محتمل في آخر النفق، يُعبّر مواطنو غزة، للمرّة الأولى، منذ عشر سنوات، عن معارضتهم لسلطة حماس، بالسخرية، والنقد السياسي المباشر، والتظاهر السلمي، والدعوة إلى العصيان المدني.

ظهرت أشياء كهذه على مدار السنوات السابقة، ولكنها لم تكن بقدر واضح من الحدة، والغضب، كما تبدو الآن، ولم يكن ميلها إلى المجابهة صريحاً وفصيحاً كما هو الآن. ويمكن العثور على أسباب مختلفة لزيادة الإحساس بالحدة والغضب، والميل إلى المجابهة:

فمظاهر الثراء، وبحبوحة العيش ظهرت بالتدريج على حياة حكّام حماس، ونظام سلطة القمع لم تتضح ملامحه دفعة واحدة، بل اكتملت على مر الأيام. وفوق هذا وذاك، والأهم من كل ما تقدّم، أن ما خلّفته حروب لم يحقق فيها الفلسطينيون هدفاً سياسياً واحداً، يبدو ماثلاً للعيان، في ظل أنقاض لم ترفع بعد، ومشرّدين لم يجدوا المأوى بعد، وحاضر قاتم، ومستقبل لا يعد إلا بالمزيد من البؤس.

على خلفية كهذه يمكن النظر إلى "أزمة" الكهرباء، التي دفعت الناس في غزة إلى التظاهر، وإلى حملة اعتقالات طالت عددا من معارضي حماس. وعلى الرغم من إطلاق سراح المعتقلين في وقت لاحق، إلا أن الاعتقالات لم تتوقف، والواقع أنها تجددت يوم أمس. ولا ضرورة، في الواقع، للدخول في تفاصيل أزمة الكهرباء، أو بقية الأزمات، بل التركيز على حقيقة أن عدم الكفاءة التي وسمت سلوك الجماعة الأم في القاهرة، بعد وصولها إلى السلطة، تتجلى أيضاً في سلوك حماس.

ولعل أسوأ ما في عدم الكفاءة، التي وسمت سلوك حماس بوصفها سلطة مهيمنة على قطاع غزة، أنها تحاول تبرير الأخطاء والخطايا بالبلاغة الوطنية، والعبارات الكبيرة (التي أصبحت موضع سخرية)، كما تحاول سد النقص في موازنتها بالتفنن في السطو على جيوب المواطنين الفقيرة، بما في ذلك، في وقت ما، فرض ضرائب على الكماليات، وإدخال بعض الأطعمة واللحوم في قائمة الكماليات. وهناك، في الواقع، قائمة طويلة من القوانين التي يتم تحريرها وتحويرها للحصول على مزيد من المال عن طريق ضرائب تبدو سوريالية تقريباً.

يمكن اختزال الأمر في حقيقة أن حماس تعاني من أزمتين اقتصادية وسياسية منذ الإطاحة بالجماعة الأم في القاهرة، وإغلاق السلطات المصرية معابر التهريب، التي استخدمت لتهريب البضائع، والبشر، والسلاح، على مدار سنوات طويلة.

وأهم ما في أزمتها السياسية أن سلطتها في غزة لا تحظى بالاعتراف الرسمي من جانب أحد في الإقليم والعالم، ولا تزال السلطة الفلسطينية صاحبة هذا الحق الحصري. حاولت حماس الاستثمار في مجابهات عسكرية مع إسرائيل على أمل كسر عقدة المعبر مع مصر، والميناء، أو حتى المطار. ولكن الرهان فشل، ودفع ساكنو القطاع القدر الأكبر من الضحايا البشرية، والعذاب الإنساني. (بالمناسبة، إذا حصلت حماس على ميناء أو مطار، ستنفصل غزة عن الضفة بشكل نهائي وقاطع، وسيعلن الإخوان المسلمون دولتهم الجديدة في غزة).

والمهم، أيضاً، أن كل ما جرّبته حماس من وسائل وتقنيات البقاء السياسية والاقتصادية ارتدت على ساكني قطاع غزة بطريقة سلبية تماماً. هذا لا يعني أنها ستتنازل عن حكم غزة في وقت قريب، حتى لو تضاعفت معاناة الناس هناك، بل يعني أن قدرتها على المناورة، بعد عشر سنوات في سدة الحكم، لم تعد مُقنعة أو مجدية. كل ما هنالك أن البعض في غزة يؤيدها لأن مصيره، ورفاهيته، ارتبطا بها، ناهيك عن مكانه ومكانته الوهمية، والبعض الآخر يعارضها لأن الباب الوحيد لحياة أفضل يتمثل في إرغامها على التخلي عن حكم غزة.

من هنا إلى أين؟ لا أحد يعرف، كل ما في الأمر أن الإمبراطور يبدو عارياً تماماً.