الشاعر سيد حجاب.(أرشيف)
الشاعر سيد حجاب.(أرشيف)
الإثنين 30 يناير 2017 / 19:15

غياب سيد حجاب

كان سيد حجاب غصناً من الشجرة الشعرية الشعبية، وخاصيته أنه تدرب بذكاء نادر على يد عملاق مثل الأبنودي

1-
من عرف الشاعر سيد حجاب عن قرب، تأكد من حجم الخسارة الثقافية والإنسانية، فالمرء يحس أن الرجل كبير باتساع أفقه الإنساني وابتسامته الصامتة وقدرته على الاصغاء، وأمّا جليسُ سيد حجاب فتترسم لديه صورة رجل شديد الهدوء، ولكن الجليس سيكتشف أنه لم يعرف الرجل على حقيقته إذا رَآه وهو يصعد الى المنبر ويلقي شعره بلسان مصري مبين وبروح الواثق من أنه يملك جمهوره، وقادر على الايقاع به في دائرة سحره الشعري.

2-
ربما لم يشتهر سيد حجاب بلقاءات جماهيرية على غرار صديقه ورفيقه عبد الرحمان الأبنودي، ولكن سيّداً امتلك لغة خاصة تفهمها العامة وتقدرها الخاصة، وله وقفته المنبرية الخاصة، وهو حريص على النبرة الهامسة في غير صراخ، أما في وقفته فلم يكن سيد يعتني بوقوف الشعراء المعهود مع الجمهور، ولعله لا يريد حتى الاقتراب من الميكروفون، وكأنه أميل الى الهمس فلقد كان حجاب يدرك أن الحيلة تكمن في ترك الحيلة، وكأن الجمهور معه يتحول إلى شخص يحكي له حدوتة محبوكة الدراما في جلسة عادية، فهو يدرك أن المتعة تكمن في اللعبة اللغوية، والنَفَس الشعري الذي يقيسه الشاعر، أو يقطّره، في آذان المستمعين، والرقصة بالكلمات، وهذا الصمت المقطوع بحساب شاعر خبير بالإيقاع، وبتلقّي الشعر.

3-
( لقد أحسست بكل هذا وأنا أحضر له أكثر من أمسية شعرية رائقة كانت أولاها في بيت الشعر التونسي منذ أكثر من عشر سنوات، وأحببت جاهداً أن أدعوه إلى صفاقس عاصمة الثقافة العربية، في خريف 2016 وأخبرني صديقي مصطفى عبد الله أنه يعالج، وطلبته بالهاتف، واستمهلني، وكان الموتُ أسرعَ ) .

4-
ينتمي سيد حجاب إلى طائفة من شعراء العامية العرب المحدثين الذين انتشرت أعمالهم، وأثَّروا وأسهموا في تأليف وجدان أجيال جديدة وترويج ذائقة حديثة، فمن لا يحفظ من الجيل السابق أغنية الجينبريك في مسلسل "ليالي الحلمية".

(من هؤلاء الشعراء العاميين، ومن غير المصريين، نذكر الشاعر العراقي الشعبي والفصيح مظفر النواب في العراق الذي كانت قصيدته "الريل وحمد" وكانت تتفوق في شعبيتها على أجمل قصائد الشعر الفصيح، ويكاد العراقيون بكل طوائفهم وأحزابهم وأحزانهم ونقادهم وأذواقهم يتفقون، لا على أهمية هذه القصيدة الجمالية وحسب، ولكن على سلطتها في التأثير، بل وتطوير الشعر الحديث الفصيح) .
كان سيد حجاب نموذجاً للشاعر الشعبي المثقف، وواحداً من الشعراء الحداثيين الذين أثروا جمالية الأغنية الجديدة، فقد ساهم في التدخل من أجل تطويرها وتطعيمها بالصور الجديدة الحديثة من خلال الكتابة للشارات الغنائية التي انتشرت مع أشهر المسلسلات الدرامية.

5-
كان سيد حجاب غصناً من الشجرة الشعرية الشعبية، وخاصيته أنه تدرب بذكاء نادر على يد عملاق مثل الأبنودي، ولكن لم يكن سيد حجاب هو الأبنودي، والمؤكد أن الأبنودي قد وقع في دائرة السحر التي صنعها سيد حجاب، والعارفون يدركون الفرق بين الرجلين، وكل واحد تعلم من الآخر ما لن يستطيع الكشف عنه غير كبار النقاد الحساسين.

استطاع سيد حجاب أن يكون قادرًا على أن يكون هو نفسه ، قريباً من روح مصر العاشقة الآسرة، بما فيها من كيمياء قوامها النقد والحريّة والسخرية والموسيقى، وقريباً من روح الحرية والجمال والسخرية .

6-
لقد انخرط سيد حجاب في جيل جميل خلاق، وكان واحداً من الذين أثروا الشعر الجميل ودفعوا الاغنية الى ان تكون اجمل .
كما انتمى الى سلالة شعرية غيّرت صورة الشاعر الشعبي والتي بدأها محمود بيرم التونسي، اسمي هذا السلالة تسمية اعتباطية "سلالة الشاعر الشعبي الذي في بيته مكتبة " على اعتبار أن الشاعر الشعبي هو ابن الأمية والجهل بالفصحى وباقي اللغات، وجيل سيد حجاب الذي يكتب بالعامية هو جيل متعلم ومطلع على أفكار العصر، وممارسات السياسة، وعلى الفنون الحديثة والتيارات الأيديولوجية في العالم المعاصر.

7-
يقول مثل أفريقي: إذا مات شيخ فهذا يعني أن مكتبة احترقت ، ولم نشعر مع سيد حجاب بالخسران، ولا بأنه شيخ إلا بعد فوات الأوان.