الجمعة 3 فبراير 2017 / 16:28

"ماكنة تدهس المارة" جديد العراقي زهير كريم

24 - بروكسل - عماد فؤاد

عن دار "منشورات المتوسط" بمدينة ميلانو الإيطالية، صدرت مؤخراً المجموعة القصصية الجديدة "ماكنة تدهس المارة" للروائي والشاعر العراقي زهير كريم، وضمت المجموعة التي صدرت في 104 صفحات من القطع المتوسط، 10 قصص قصيرة، توزعت في غالبها على ثيمة أساسية مفادها أن الحياة ماكينة قاسية، وما الحرب والهجرة والوحدة إلا بعض من أشكالها المتعددة، وهو ما جعل شخصيات المجموعة القصصية تدور في فلك مستمر من الانكسار تحت سنابك عجلة الحياة التي تدهس الجميع.

في قصة "ليلة في فندق أميغو"، يضع البطل نفسه في تلك المنطقة التي يعلق الحلم في جزء منها، قبل أن ينسحب مثل غطاء أسود من الساتان عن جسد امرأة، فيما يشبه الرحلة مع كائنات أسطورية ما زالت تتنفس في المدينة، وفي قصة "ناتالي" تظهر العزلة باعتبارها المظهر الأكثر وحشية، عندما تموت الجارة وحيدة بعد أن سهرت طوال الليل بانتظار ضيفها الذي لم يأت، فغادرت قبل أن تنهي زجاجة الأوزو، وقبل أن تفرغ كامل قاموسها من الشتائم على الرواد الجالسين، وقبل أن يحضر أيّ من أولادها.

في قصة "الحالم"، والتي أشبه ما تكون بالسيرة الذاتية، تطالعنا شخصية لم تكن معنية يوماً ما بحياة مغايرة يتحدّث عنها الآخرون، فالرواي يقول: "الحياة التي يسمّونها الواقع، بالنسبة لي طبقة معتمة، عالم مغلق بوجه معارفي الحسّيّة، الحياة كما أفهمها هي التي تكمن في شعلة الحلم، وهي التي تقودني دائماً لخوض المغامرة".

وفي قصة "مونيكا"، البنت المتمردة التي تختفي من القرية، يضع القسّ والعمّة والآخرون توقيعاتهم على اكتمال الحكاية الغرائبية، الجميع كان يقوم بدور عالم الآثار، يلتقطون الحكايات الصغيرة المبتورة، بغض النظر عن أهميتها أو مدى صدقها، ويلصقون قطعها التي تشبه البازل إلى بعضها البعض؛ ليحصلوا في النهاية على إشاعة كاملة، يمكن تطويرها لتصبح أسطورة فيما بعد.

أما في قصة "الرجل النوراني"، فيركز الراوي على البواعث الخارقة التي سدّدها إمام الجامع إلى منطقة رخوة من وعيه، فتمكّنت من كيانه كله حتى إنه تنازل عن الأهمية التي تحملها الجنة، وتمسك بالفخر الذي يحصل عليه المرء بمرافقة سرمدية للرجل النوراني، وفي قصة "القلب المحطم لامرأة اسمها فرانسواز"، تبحث الراوية عن الحب في سن الستين، تقول فرنسواز إن الصخب هو "الثروة الحقيقية، والصمت هو الفقر"، أما في قصة "الراكب الأخير" فنقرأ حكاية عن الخديعة، عن الهجرة والهوية، فالبطل عاش وحيداً، وغادرته حتى الرغبة بأن تكون له شريكة حياة، وكان يقرأ كتُباً غريبة ومؤذية عن المهزلة التي لم يكن من اختياره المشاركة بها، ويردّد مع نفسه أنه "هبط من بطن أمه ليكون عضواً في هذه اللعبة المضحكة".

في قصة "ميشو"، نطالع رحلة غرائبية لمقهى الموتى، البطل وحده في العماء يبحث عن فأر محبوب بوجه ملائكي، يتابعه وهو يدور بخفّة بين الطاولات، ثم يدخل ثقباً في الجدار المقابل لدرج الكهف، ولم يخرج، لكن قلب البطل ظل هائماً بفكرة عودته، وفي قصة "الجثة رقم 5"، نقرأ حكاية مذيلة بالأثر المرير الذي تتركه الحرب، حكاية عن الجنون والحب، فالبطل لم تكن له أوراق ثبوتية، حيث أضاعها في مكان ما، ولا يعرف له عنواناً محدداً، لقد اختلطت عليه عناوين الجثث التي سلّمها لذويها، ونسى أنه - أيضاً - كان يجب أن يكون له عنوان وأهل في مكان ما.

أما الجنرال في قصة "جنازة آخر المحاربين" فيمارس رياضته اليومية بالتفرّج على الأفلام الوثائقية والسينمائية قديمها وحديثها، لكنها الأفلام التي تتحدّث عن الحروب التي ملأت التاريخ: حروب الإمبراطوريات والحلفاء والبرابرة وغيرهم، يأخذنا زهير كريم من الشرق إلى الغرب في جولة بانورامية للاطلاع على وقائع مفرمة اللحم التي يسميها التاريخ "حروباً".

ولد الروائي والشاعر العراقي زهير كريم في العاصمة العراقية بغداد عام 1965، ويقيم في بلجيكا منذ أكثر من 20 عاماً، صدرت روايته الأولى "قلب اللقلق" عن دار فضاءات الأردنية عام 2011، ليتبعها في العام 2014 بروايته الثانية "صائد الجثث" والتي فازت بجائزة دار "أثر" للرواية في العام نفسه، كما ينتظر كاتبنا صدور روايته الثالثة قريباً تحت عنوان "غيوم شمالية شرقية" عن "دار المتوسط" أواخر هذا العام.