السبت 4 فبراير 2017 / 20:06

بدايات متحمسة.. ونهايات يائسة

هذا في تقديري أدق وصف لعمل الإدارات الامريكية المتعاقبة في مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

فكل رئيس وصل البيت الأبيض، تعهد جازماً بحل القضية الفلسطينية، والدخول الى موسوعة غينيس في تحقيق المعجزات السياسية، ولقد بذلوا جميعاً جهداً كبيراً لبلوغ هذه الغاية.

بيل كلينتون أفرد من وقته الثمين ما لم يفرده لأي قضية دولية، وحين سلّم الإدارة أعلن يأسه من الحل، ويقال أنه أوصى خليفته بالحذر من هذا المسار الشائك.

أمّا جورج بوش الابن، الذي استلهم من تراث أبيه فكرة إمكانية تحقيق هذا الحل، فقد حضر خصيصاً إلى المنطقة وأجرى لقاءين دراماتيكيين مع الزعماء العرب في شرم الشيخ، ولقاء آخر في العقبة شارك فيه ارئيل شارون، وخرج منه الرئيس الجمهوري بيقين من أن الحل صار في متناول اليد، بل انه دفع عربوناً مالياً لتشجيع ذلك من خلال دعم أجهزة الامن الفلسطينية لتوفير مناخ مواتٍ لعملية سياسية ناجعة، وما ان أوشكت ولايته الثانية على الانتهاء وكان قد يئس من التقدم في مسار الحل، فقد أمّن لنفسه غطاء دخانياً للانسحاب، فأشرف على مؤتمر دولي في انابوليس شارك فيه كل المعنيين في الصراع، وكل المؤثرين في العالم، فكان بمثابة خطبة وداع أسلم فيها الملف الشائك لمن سيأتي بعده.

وحين وصل الحصان الأسود إلى سدة الرئاسة، كان أول ما فعل هو زيارة المنطقة، والإعلان عن جهد أمريكي جدي لإنهاء القضية الفلسطينية الشائكة، وإطلاق مصالحة إسلامية أمريكية بدأت من مصر والسعودية وتركيا، إلا أنه ومع أول صفعة من نتانياهو، ورغم الجائزة التشجيعية التي حصل عليها قبل أن يفعل شيئاً "نوبل للسلام"، إلا أنه طلّق المسار الفلسطيني الإسرائيلي بالثلاثة، وتفاديا للفراغ ومضاعفاته، كلّف وزير خارجيته بالتعاطي مع الملف تحت شعار ... "شوف شو بطلع معك"، ومثلما بدأ سلفه وانتهى بدأ هو وانتهى كذلك.

غير أنّ خلف أوباما، الرجل الاشكالي دونالد ترامب، أظهر حماسة شديدة ولكن باتجاه آخر، إذ وعد الرجل الذي استسهل كل شيء بما في ذلك احتلال الحزب الجمهوري والبيت الأبيض، فقد أغدق على إسرائيل مواقف لم يسبق ان اغدق بمثلها رئيس غيره، إلا انه لم يشذ عن قاعدة أسلافه حين أعلن استعداده لحل القضية الفلسطينية، وبلغة يقينية يشجّع عليها التعاطي السياسي بمنطق "البيزنس"، وعما قريب سيذوب الثلج ويظهر ما تحته، ذلك بعد اللقاء المرتقب بين ترامب ونتانياهو، فبعد ذلك اللقاء ستنجلي الأمور وقد نستنتج ان لم نعرف مباشرة ماذا يمكن ان يفعل الرجل، وكيف ستتعاطى إسرائيل مع ما سيفعل.

المقدمات التي سبقت اللقاء لا تدعو إلى التفاؤل، والامر هنا ليس فقط بكثرة الإعلانات التي تواترت في الحملة حول نقل السفارة الامريكية إلى القدس، ولا حتى بتخفيف اللهجة إلى الحد الأدنى فيما يتعلق بالاستيطان، وإنما برزمة العقوبات التحذيرية التي سربها ترامب عبر مساعديه، من خلال مجموعة من الممنوعات سيفرضها على الفلسطينيين إذا ما خالفوا مزاج الإدارة، وواصلو الرحلة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية، ولا بد أن تطال العقوبات المال الضئيل الذي تقدمه أمريكا للسلطة الفلسطينية، وهذا معناه السياسي، إما أن تذعنوا أيها الفلسطينيون للسقف الأمريكي الذي لا يرتفع كثيراً عن السقف الإسرائيلي، وإما أن تخرجوا من دائرة الرعاية الأمريكية إلى دائرة العداء، وساعتها سيكون أقل ما يُفعل هو اطلاق يد الإسرائيليين فيكم.

إسرائيل من جانبها لم تكتف بالتلميح، بل ذهبت إلى التصريح بأن الحل مع الفلسطينيين لن يكون ثنائياً بل إقليمياً، ومعنى ذلك أن الأولوية ستكون لتطبيع العلاقات مع العرب وبعد ذلك قد يأخذ الفلسطينيون ما يفيض عن ذلك، إنهم بحاجة إلى دعم ترامب في هذا الاتجاه ولا أحد يعرف حتى الآن حقيقة الاتجاه الأمريكي بجملته وتفصيله.

إذا كانت بدايات ترامب مختلفة إلى حد ما مع بدايات أسلافه الذين جاملوا الفلسطينيين بالوعد، فما نخشاه حقيقة أن تكون النهاية مشابهة، والنتيجة المحققة لذلك إطلاق يد إسرائيل للعمل كما تشاء مع أقل قدر من اللوم.