الثلاثاء 7 فبراير 2017 / 00:24

"كلام كائن عادي" لياسر شعبان يخرج للنور بعد 20 عاماً من كتابته

24 - بروكسل - إعداد: عماد فؤاد

صدر كتاب "كلام كائن عادي" للشاعر والروائي والمترجم المصري ياسر شعبان عن دار روافد بالقاهرة، وهو الكتاب الذي ظل لأكثر من 20 عاماً حبيس الأدراج، بعد أن صعب على العديد من دور النشر الرسمية والخاصة نشره، لخصوصية نصوصه المكتوبة بأفق مفتوح، وفي اشتباك مستمر مع الفنون الكتابية الأخرى.

ربما لهذا السبب اختار ياسر شعبان عنوان "كلام كائن عادي" لتجربته الكتابية الاستثنائية في هذا العمل، وهو ما يبرره لـ24 بقوله: "هي محاولة نزقة كتبت قبل أكثر من 20 عاماً لاصطياد روح الكلام العادي؛ للإمساك بإيقاعه الذي يتراوح بين همس وصراخ، توتر وتأمل، تلعثم وتدفق، وما يتسم به من تداخلات وتعدد في مستويات السرد وأصواته، وإن كانت تجربة الكتابة في هذا العمل تأتي عبر صوت واحد".

هي إذن وبحسب تعبير كاتبنا: "محاولة نزقة تعود لقناعتي بأن الكاتب في تحد دائم مع الوسيط البصري المحيط به، لتقديم أفكاره ومشاعره وحكاياته، هذا الوسيط البصري الذي يتخذ في هذه التجربة شكل الكلمات المكتوبة، فهناك صراع دائم بين الكاتب وبين الشكل والأسلوب والتقنية، وهذا الصراع هو ما يميز كاتب عن آخر، هو البحث عن الصوت بين آلاف الأصوات المتداخلة، البحث عن القناع بين آلاف الأقنعة".

"كلام كائن عادي" هو إذن: "انطلاق من تمرد على الأنواع الأدبية والفنية والمطالبات النقدية بالالتزام بها، بالإضافة لاعتقادي الشخصي بتكامل تلك الأنواع إلى حد التماهي، هي محاولة لاصطياد الكلام دون أسره في حيز الكتابة، مع تطلع لأن يمنح الكلام بعض التحرر والخفة والبراح".

في إحدى نصوص الكتاب يقول ياسر شعبان:

"ثم إنه يتكاثف منذ الصباح ودخان أبيض وأسود وثمة حرائق صغيرة كثيرة في كل مكان والمطر الخفيف يعاود ذاكرتي كثيراً.. يا سلام هناك من يشعر أنني ثقيل على روحه ويغتاظ جداً من ابتسامتي وحتماً يقول لنفسه لماذا الناس يحبون هذا الولد وهو لا ينظر لهم – حتى.. ثم إنه ليس جميلاً بل قصيراً وسميناً وشاحباً ولولا صوته المُحمل بالشجن والموت ما انتبه أحد لوجوده مطلقاً.. يا سلام الدخان يصنع أشكالاً كثيرة في السماء ها هو يبدأ تنيناً يتحول إلى كتلة تبدو لي جسداً أنثوياً مترهلاً تحول إلى وجه شيخ عجوز بلحية طويلة ثم أرنب، فطائر، فكتل من الدخان لا تعني شيئاً مطلقاً.. فهل آخذ شهيقاً عميقاً متناسياً الكربون وكبريتيد الهيدروجين وبقية المواد الأخرى التي تهيج علينا الخلايا السرطانية.. والله ربما يكون هذا جميلاً ومناسباً لما أقسم أنني كل يوم أمرن نفسي على الموت.. وأغمض عيني في الليل ودماغي لا تتوقف مطلقاً فأقوم بجفون متغضنة ومزاج سيء يدفع كل الذين يرونني إلى قول: لقد قضى ليلة سيئة يفكر في حبيبة تركته – يقولون خانتني – لأسباب تافهة جداً وفي موت الأطفال جوعاً وتشريد الخلق في كل مكان ويظنون أنني طوال الليل أردد ما قال المسيح: تعم الفوضى والمجاعات والأمراض وليست النهاية بعد.. المسيح هذا الولد الغلبان الشاحب الذي أحب الناس جداً لكنه لأسباب كثيرة – منها جسمانية – لم يكن يستطيع الحياة مثلهم.. وأزعم الآن أنه أحب ماريا مثلاً.. هذه التي خلص روحها من وطأة الجسد – أحبها والله – بأمارة أنها الوحيدة التي تجلس عند قدميه وتبكي بحرقة؛ الوحيدة التي مسحت الدم عن وجهه والآخرون مأخوذون تماماً لا يصدقون كيف يصلبون ابن الإله.. وكل من يراني يقول نفس الكلام ولا أندهش وثمة دخان معلق وحرائق صغيرة في كل مكان وأولاد ينبشون في كل شيء وأصابعهم الصغيرة تعثر على أشياء منسية تماماً.. فها هي قروش نحاسية دسستها في حشو الكراسي لما كان العيد وأخوتي يشترون البمب والحلوى وأجلس في الركن أتأمل نقوش الكعك أو أبكي لأنهم ذبحوا الخروف الذي أركبه أيضاً".

بهذه الروح في الكتابة، التي تهمل علامات الترقيم بشكل ملحوظ - فليس في الكلام العادي علامات ترقيم – يكتب ياسر شعبان نصه المنفلت من عقال القوالب الكتابية المعتادة، وكأنه يتحدى نفسه لكتابة "الكلام العادي"، بكل ما يحتويه من إيقاع وقدرته على الإيحاء بالتنوع والتعددية، وهي ذاتها المحاولة التقنية التي تجلت في رواية كاتبنا المعنونة "أبناء الخطأ الرومانسي" (2005)، كما تجلت في روايته الثانية "المصائر" (2011)، كما كان لهذه النزعة في الكتابة بذورها في مجموعة ياسر شعبان الشعرية الأولى "بالقرب من جسدي" (1997).

عن حياة الكاتب

ولد الشاعر والروائي والمترجم المصري ياسر شعبان في العام 1969، وأصدر حتى الآن العديد من الأعمال الشعرية والروائية من أهمها مجموعته الشعرية الأولى "بالقرب من جسدي"، والتي صدرت بالقاهرة في العام 1997، وفي العام 2000 أصدر شعبان روايته الأولى "أبناء الخطأ الرومانسي"، ليتبعها في العام 2005 بروايته الثانية "أبناء الديموقراطية"، وفي 2011 يصدر شعبان روايته الثانية "المصائر"، وفي مجال الترجمة عن اللغة الإنجليزية قدم ياسر شعبان العديد من الأعمال المهمة من بينها ترجمته لروايات: "الجبل الخامس" لباولو كويلو (دار ميريت، 2001)، "العين"، لفلاديمير نابوكوف، (دار ميريت، 2002)، "السيد ستون ورفقة الفرسان"، ف. س. نايبول، (دار ميريت، 2002)، "نصوص 2000 الممنوعة"، مقالات (2002)، "المؤلف ومفسروه" 3 محاضرات لأمبرتو إيكو (2001)، "حكايات الشعوب" قصص للأطفال (2002)، "العولمة والواقع الجديد"، محاضير محمد، دار (2003)، و"دليل محارب النور" لباولو كويلو (2004).