أبومازن ونتانياهو
أبومازن ونتانياهو
السبت 11 فبراير 2017 / 20:07

بضاعة ثمينة وتسويق ضعيف

البضاعة هي المبادرة العربية للسلام، أساسها سعودي، وعمقها عربي جسدته مؤتمرات القمة، وإسلامي تبنته قمة طهران.

أهمية المبادرة العربية للسلام، لا تكمن فقط في انطلاقتها أو اقتراحها من قبل واحدة من أهم الدول العربية والإسلامية والإقليمية، وإنما لأنها سحبت البساط من تحت أرجل الادعاءات الإسرائيلية التقليدية، التي قامت ووظفت على مدى عقود تحت عنوان "العرب لا يملكون موقفاً موحداً من قضية السلام مع إسرائيل".

بذل الفلسطينيون جهداً كبيراً لتسويقها، بما في ذلك استئجار صفحات غالية الثمن من كبريات الصحف العالمية، وطباعة ملايين النسخ منها بكل اللغات بما في ذلك اللغة العبرية، غير أن الجهد الفلسطيني في هذا الاتجاه كان منفرداً، وبداهة أن يكون ضعيف التأثير، فإسرائيل والعالم، أوشكوا على الملل من الحجج الفلسطينية حول السلام ورغبتهم فيه، لكثرة ما تكررت هذه الحجج سواء في الخطب أو القرارات أو البرامج والسياسات.

حين أطلق العرب هذه المبادرة، وفردوا عليها رداء القمتين العربية والإسلامية، ادعى رئيس الوزراء أولمرت آنذاك في لقاء تفاوضي مع الرئيس محمود عباس، بأنه لم يطلع على هذه المبادرة، وإمعاناً في إظهار الطيبة وحسن النية طلب من الرئيس عباس تزويده بنسخة منها، ومن منطلق "لاحق العيار" تم توفير النسخة بكل اللغات للسيد أولمرت.

لم يُختبر موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي على أرض الواقع، لأن الرجل انتقل من مكتب رئيس الوزراء إلى مكاتب الشرطة للتحقيق، وكان أن أودع السجن وما يزال حتى الآن قابعاً هناك.

كانت إسرائيل تسعى لجر رجل السعودية كي تقيم حواراً معها بصورة مباشرة، إلا أن الدبلوماسية السعودية رفضت الانجرار إلى هذا الكمين الساذج، وطُلب من إسرائيل أن تعلن موافقتها على المبادرة، واستعدادها لاعتمادها كمرجعية من مرجعيات عملية السلام، وبعد أن يتم ذلك يكون كل شيء مفتوح على مصراعيه بما في ذلك المفاوضات والعلاقات.

وُضعت المبادرة العربية للسلام، ضمن مراحل خطة خارطة الطريق التي اقترحتها الرباعية الدولية، وبصورة موضوعية فلا مجال للحديث عن حل شامل للنزاع العربي الإسرائيلي، دون مرجعية كهذه، ذلك أن المبادرة العربية التي اتسعت لتشمل الدول الإسلامية، هي الوصفة النموذجية للحل الشامل، ولا يوجد ما يمنع أن تكون المدخل الأكثر ملائمة للحل الإقليمي الذي يكثر الحديث عنه هذه الأيام.

الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ونأمل أن لا تكون هذه واحدة من شطحاته المرتجلة، يكرر القول بأنه سيعمل على حل القضية الفلسطينية، وأن هذا الموضوع سيوضع على جدول أعماله خلال الاجتماع المرتقب بينه وبين نتانياهو والذي سيتم بعد أيام قليلة.

لا يستطيع نتنياهو ادعاء أنه لا يعرف الكثير عن هذه المبادرة، ذلك أن إسرائيل التي تنبش حتى أقوال الصحف وتحللها وتستخلص الدروس منها، لا يمكن أن تكون قد أهملت هذه المبادرة ، أو أنها تلكأت في دراستها وتقويمها، ولعل الذي بحاجة لأن يعرف الكثير عنها هو الرئيس الأمريكي، الذي بدأ هبوطاً تدريجياً من طائرة الحملة الانتخابية، إلى أرض الواقع، ولو كان حقاً يرى ضرورة ملحة لأمريكا، أن يتصدى لحل القضية الفلسطينية ، فينبغي أن يقرأ أو أن تقرأ له هذه المبادرة مع شرح لخلفياتها ومزاياها والجديد التاريخي فيها.

العرب والسعوديون بوجه خاص، هم المعنيون بإفهام ترمب، بأن مدخله حتى للأمن الإقليمي هي الدول العربية صاحبة المبادرة، لقد تعطلت هذه المبادرة بفعل ضعف التسويق العربي لها، والجشع الإسرائيلي في طلب المزيد من المكاسب غير المشروعة، وإلحاح زعمائها على تعديل المبادرة، أي ووفق التجربة مع إسرائيل، نزع الدسم منها وإفراغها من محتواها.

وأخال ترمب الذي يتهيأ لاستقبال نتانياهو، والذي بلغته الرسائل الفلسطينية والعربية والدولية، قبل أن يستفرد به رئيس وزراء إسرائيل، ترامب هذا ليس مغلقاً تماماً كما بدا لنا أول الامر، بل إنه وهذه بديهية عمل الرئيس، أي رئيس، لابد وأن يكون واقعياً ولو بالحدود الدنيا كي تقلع طائرته المتعثرة داخلياً بسبب سوء الأحوال الشعبية، وخارجياً بسبب سوء الخطاب.

هنالك مقدمات معقولة صدرت عن الرئيس الأمريكي بشأن تأجيل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتنديد الأولي بالإجراءات الاستيطانية الأخيرة، قد لا يكون ذلك انقلاباً دراماتيكياً في منطق وتوجهات الرئيس الجديد إلا أنه في الوقت ذاته رسالة استعداد للتعلم والفهم الموضوعي، فهل نستغل الفرصة وننقش حروفنا على الصفحة البيضاء، أم نتركها كما كنا نفعل عادة لخصمنا كي ينقش حروفه عليها؟ هذا هو السؤال.. والجواب عندنا أولاً وأخيراً.