مستشار الأمن القومي الامريكي المستقيل مايكل  فلين.(أرشيف)
مستشار الأمن القومي الامريكي المستقيل مايكل فلين.(أرشيف)
الأربعاء 15 فبراير 2017 / 20:15

ترامب: تناقضات واحتمالات

مسألة فلين إنّما تدلّ على أمور وإشكالات أخرى، تبدأ بالتسريبات الإعلاميّة التي اعتبرها ترامب أكثر ما يهمّه من الموضوع، لكنّها لا تنتهي عند الآفاق الملبّدة أمام سياسة خارجيّة متماسكة تتبعها الإدارة الجديدة

ما إن انتُخب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتّحدة الأمريكيّة حتّى ظهرت كتابات وتصريحات يتوقّع أصحابها عزله في أقرب فرصة.

لكنّ الرياح جرت وتجري بغير ما اشتهت سفن هؤلاء. فالرئيس الجديد يقيم ويحكم سعيداً في البيت الأبيض، يصدر المراسيم والأوامر التنفيذيّة ويسلّي نفسه والعالم بعباراته القصيرة القاطعة على تويتر. والحال أنّنا إذا ما فكّرنا في المعارضة الداخليّة لدونالد ترامب واجهتنا مشكلة ليس من السهل التغلّب عليها. فبُعيد تسلّمه منصبه، كانت "تظاهرة النساء" الشهيرة، حيث سار في المدن الأمريكيّة ما قُدّر مجموعه بـ 2،6 مليون غاضب وغاضبة. وكما نعلم، واكب هذه التظاهرة تظاهرات أخرى تضامنت معها في بعض عواصم العالم ومدنه.

لقد كان الحدث المذكور بالغ التعبير والدلالة لجهة الإفصاح عن معارضة تطاول، فضلاً عن النساء، قطاعات شديدة الحيويّة والتأثير في المجتمع الأمريكيّ، كالملوّنين والمثقّفين والفنّانين، والتعدّديّين على أنواعهم.

بيد أنّ نقطة الضعف الأساسيّة التي بيّنتها التظاهرة تلك هي عجزها عن مخاطبة الطبقة العاملة البيضاء الفقيرة والمحبطة التي تولّت أصواتها إيصال دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. على العكس من ذلك، قُدّر أن يكون لمشاركة بعض نجوم الفنّ والسينما، من المعروفين والمعروفات بثرائهم، دور سلبيّ ومنفّر للطبقة العاملة وقطاعاتها الأكثر يأساً.

أمّا المعارضة الخارجيّة لترامب فهي، على رغم اتّساعها وتمدّدها من المكسيك إلى العالم الإسلاميّ إلى الصين، مروراً ببعض عواصم الحلف الأطلسيّ، تعاني بدورها من مشكلة لا يُستهان بها. ذاك أنّ المعارضة تلك قابلة أن توظّف تآمريّاً وقوميّاً بوصفها "استهدافاً" للولايات المتّحدة، بما يحضّ على تعزيز اللحمة الوطنيّة في مواجهة "المؤامرة الخارجيّة". ولئن كان الكثيرون من رموز الإدارة الجديدة، وعلى رأسهم منظّرها الإيديولوجيّ ستيف بانون، يشبهون هذا التفكير وهذه المخاطبة، فإنّ الطبقة العاملة البيضاء هي، مرّة أخرى، الطرف الأكثر عرضة لأن يتأثّر بمناشدة شعبويّة وديماغوجيّة كهذه.

لكنْ في المقابل، بات واضحاً أنّ القضاة المعترضين على أوامر ترامب التنفيذيّة في ما خصّ الهجرة واللجوء من سبعة بلدان إسلاميّة قادرون على التسبّب بأزمة كبرى ما بين السلطتين التنفيذيّة والقضائيّة، وهو ما لا ينبغي الاستهانة بتبعاته ونتائجه في بلد كالولايات المتّحدة، ذي رصيد عريق في فصل السلطات.

وهذا ما يزيد تناقضات الإدارة المتنافرة، على ما بيّنته استقالة مايكل فلين، مستشار ترامب للأمن القوميّ، بعد اتّضاح علاقته بالروس ووعوده لهم قبل أن ينتقل ترامب إلى حيث هو الآن. وقد انفجرت مسألة فلين (الذي باتت مستشاريّته أقصر مستشاريّة في التاريخ الأمريكيّ) وسط خلافات محتدمة، على ما يبدو، بينه وبين أعضاء بارزين آخرين في الإدارة إيّاها بمن فيهم نائب الرئيس مايك بنس. وغنيّ عن القول إنّ هذا التنافر لا يزيده إلاّ اشتعالاً وتوتّراً استخدام الرئيس العصبيّ والفائض لتغريدات تويتر شبه المزاجيّة والقليلة المسؤوليّة.

والحال أنّ مسألة فلين إنّما تدلّ على أمور وإشكالات أخرى، تبدأ بالتسريبات الإعلاميّة التي اعتبرها ترامب أكثر ما يهمّه من الموضوع، لكنّها لا تنتهي عند الآفاق الملبّدة أمام سياسة خارجيّة متماسكة تتبعها الإدارة الجديدة، وعلى الأخصّ ما يتعلّق بالموقف من روسيا – فلاديمير بوتين. فإذا أضفنا قابليّة ترامب لارتكاب الأخطاء، وحيويّته اللفظيّة التي تمعن في تظهير تلك الأخطاء، تبدو التوقّعات الأشدّ سلبيّة واقعيّة جدّاً.