أصفاد إلكترونية تركب في كحول المتطرفين.(أرشيف)
أصفاد إلكترونية تركب في كحول المتطرفين.(أرشيف)
الأربعاء 15 فبراير 2017 / 20:03

التمييز العنصري الرقمي

موافقة المستشارة على هذا التعديل يُشبه كثيراً إجراءات النازية في التمييز العنصري، مع أن المستشارة لا تتحدث إلا عن سياسات الدمج لغير الألمان

منذ ما يقرب من أربعة عشر يوماً، نشرتْ "دويتشه فيله"، المنبر الإعلامي الأول والأشهر في ألمانيا، موضوعاً عن أصفاد إلكترونية رقمية، تُركَّب في كواحل أقدام الإسلاميين الخطيرين. لا بد أن كثيرين من القراء اعتقدوا منذ السطور الأولى أن موقع "دويتشه فيله"، تعرَّض لقرْصَنة من حركة "بيغيدا" المتطرفة المناهضة للإسلاميين أو لقرْصنة من حزب "البديل" من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي، وأن "دويتشه فيله" ستعلن بعد ساعة أو ساعتين على أقصى تقدير، تكذيب الموضوع كله، وأنها استعادتْ الموقع من الهاكرز. لكن هذا لم يحدث، وتمر الساعات والأيام، وتتأكد موافقة مجلس الوزراء الألماني على تعديل قانوني يسمح بمراقبة الإسلاميين الذين تُصنفهم السلطات على أنهم خطيرون أمنياً، بأصفاد إلكترونية رقمية في كواحل أقدامهم. وقد تمتْ المُوافَقَة على التعديل من قِبَل حكومة المستشارة أنغيلا ميركل يوم الأربعاء الأول من فبراير(شباط) 2017.

في نهاية الثلاثينيات كان النازي يضع نجمة صفراء على منازل اليهود، وعلى وملابسهم. إن موافقة المستشارة على هذا التعديل يُشبه كثيراً إجراءات النازية في التمييز العنصري، مع أن المستشارة لا تتحدث إلا عن سياسات الدمج لغير الألمان. كيف ستهاجم المستشارة أنغيلا ميركل إجراءات ترامب ضد المهاجرين؟ أم أن المستشارة لا تختلف حقيقةً مع خطاب ترامب الشعبوي اليميني المتطرف، لكنها تؤمن بأن هذا الخطاب لا يُعلن بفجاجته للرأي العام، لكن يتم تنفيذه وتمريره قطعةً قطعةً على أرض الواقع، بالتزامن مع اعتماد خطاب الدمج الإنساني. التناقض بين القول والفعل، لحد الفُصام، لا يُفسد للود قضية، طالما يُمَارَس هذا التناقض بهدوء ودم بارد.

وبصرف النظر عن استحالات تنفيذ الإجراء النازي، ورعب المواطنين الألمان والمسلمين على السواء، وهم ينظرون إلى أسفل، في المطاعم ومحطات القطارات والمسارح ودور السينما وقاعات الموسيقى، على كواحل الإرهابيين المُحْتَمَلين، إلا أن الإجراء في ذاته، يعني الشك الرهيب في الآخر، في كل ما هو شرقي، ويعني أيضاً أن الغرب عليه أن يُراقب الشرق رقابة مشددة، لأن الشرق موضوع دراسة، موضوع خارجي، يُراقَب بحذر. إن خارجية الشرق في عين الغربي، إحدى ركائز كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد. فالمستشرق سواء أكان شاعراً أو كاتباً أو ضابطاً للمخابرات أو إدارياً أو فقيهاً لغوياً، لا بد وأن يجعل الشرق في مرمى بصره، ويجعل أسراره وسرائره ومُبهماته، واضحة للغرب، فهو غير معنيّ بالشرق إلا بوصفه موضوعاً غير قابل للدمج، موضوعاً يؤكد نقاء الغرب ووحدته.

ومن جانب أكثر قرباً وبرغماتية، المستشارة أنغيلا ميركل تتطمح على حياء، في مدة رئاسة رابعة، ولهذا يبدو أن إجراءات الأصفاد الإلكترونية الرقمة النازية، هي مُغَازَلَة صريحة للشعبويين قبل الانتخابات العامة للبلاد، وكأنها تقول للشعبويين: النازية فينا بس ربنا هادينا. كما عزمتْ المستشارة على إعادة عشرات الآلاف من المهاجرين إلى بلادهم. ووافقت على تسريع إعادة 45 ألف لاجئ رُفضت طلبات لجوئهم. ورصدتْ المستشارة 80 مليون دولار، سيجري توزيعها على المهاجرين الذين يقبلون طواعيةً مُغادرة ألمانيا. وسمحتْ للسلطات الألمانية بتحليل هواتف طالبي اللجوء، إلى جانب إنشاء وحدة في برلين لتنسيق عملية الطرد الجماعي أو التطهير الجماعي.

الزمن 2018. المكان. قاعة موسيقى صغيرة في دوسلدورف. الحفلة لعزف مقطوعة "الفتاة الموت"، رباعي وتري لفرانز شوبرت. اثنان من الحضور يتحدثان عن فيلم رومان بولانسكي الذي أخرجه في التسعينيات 1994، بطولة بن كنجسلي وسيجورني ويفر. كانت مقطوعة "الفتاة الموت"، هي اسم الفيلم ذاته، وهي لازمة مهمة في الأحداث. قسوة فرانز شوبرت الشاعرية تليق برومان بولانسكي. يصعد العازفون على خشبة المسرح. يبدأ العزف. تقرأ سيدة سمينة في بانفلت مقطوعة "الفتاة والموت"، أن هناك حواراً شعرياً بين الفتاة والموت. الفتاة تقول برعب لدفع الموت عنها: اذهب أيها الهيكل العظمي. أنا لا أزال فتاة في مقتبل عمري. لا تلمسني. الموت يقول: هيا اعطيني يدك أيتها المخلوقة العذبة الحلوة. أنا صديق لكِ. وليس من حقكِ أن تخافيني. تلاحظ السيدة السمينة أن كاحل عازف التشيلو مُركَّب عليه صَفَد أو قيد رقمي يُشبه الهاتف، ويومض بضوء متقطع. تصرخ السيدة السمينة بفزع، وتقول: قنبلة. قنبلة. انتحاري. انتحاري. يتوقف العزف، وتعم الفوضى.