مناصرون لحركة أمي يحتجون أمام تلفزيون الجديد في بيروت.(أرشيف)
مناصرون لحركة أمي يحتجون أمام تلفزيون الجديد في بيروت.(أرشيف)
الجمعة 17 فبراير 2017 / 19:53

نهايات المشروع اللبناني

ألن تشعر طائفة صاحب "الجديد" وهي أيضا كبيرة وقادرة، بأنها معنيّة وأنّ صاحب التلفزيون يتحوّل، في هذه الحالة أيضاً رمزاً وقبلة، وتغدو "الجديد" في هذه الحلة معياراً تتحلّق حوله الطائفة

ما جرى منذ ايّام في بيروت من محاصرة تلفزيون "الجديد" والإعتداء عليه من قبل مسلّحي حركة امل الشيعيّة وبقاء السلطة صامتة، في حين كان الحدث يدّوي ّفي البلد كلّه، يعود إلى أنّ التلفزيون بثّ على شاشته ما اعتبر مسيئاً لرئيس الحركة اّذي هو في نفس االوقت رئيس مجلس النوّاب. هذا الحدث في الظرف اللبناني الحالي الذي تتفوّق فيه قوّة مسلّحة في الداخل على الجيش التابع للسلطة، وتخترق السلطة نفسها نزاعات تتركها بإستمرار منقسمة متعدّدة موزّعة بين أركانها الذين يعتمدون على طوائفهم. هذا الحدث ليس الأوّل من نوعه، ولا ينتظر ان يبقى وحيدا. إنّه سنّة تتكرّر من أعوام وتكاد تغدو تقليداً. لنا أن نتساءل بعد ذلك إذا بقي شيء من النظام ومن المشروع اللبناني. لبنان وجد كمشروع ولا يزال مشروعاً فهل انتهى أمد المشروع وماذا سيحدث للبنان؟. مزيد من الحروب الأهلية، حتّى وإن صارت لفظيّة فالاستفزاز الذي ينشأ عن أحداث كهذه كفيل بأن يعيدها إلى دائرة العنف.

عندما نتكلّم عن نظام لبناني لا نعني السلطة بقدر ما نعني الأسس التي قامت عليها والّتي لا يندر أن تتنازع معها وتحاول تخطّيها . إنّه الموازنة بين الطوائف وخاصّة الكبرى منها. موازنة لا تمنع غلبة طائفة من داخل السلطة وخارجها، بالقدر الذي لا يحول دون استمرار النظام. أمّا المشروع اللبناني فهو المثال الّذي لا ننفكّ نبتعد عنه، وإن كان في أساس إنشاء لبنان. إنّه الجمع بين الخصوصيّة العربيّة و بخاصّة اللّغة، وبين المجلوب الغربي من ثقافة وقيم ولغة ويخاصّة الحريّة والحقوق الشخصيّة و الفرديّة. هذا المشروع يبقى رؤيا ومثالاً وهدفاً استراتيجياً. إنّه بعبارة واحدة الحلم اللبناني.

ماذا يحدث حين ينزل تنظيم رئيس مجلس النوّاب إلى الشارع دفاعاً عن الرئيس الّذي هو ركن في الدولة. أين تغدو الدولة حين تتقاسم السلطة مع الشارع. بل أين يكون الشارع حين يغدو صاحب سلطة. وأي شارع هذا الذي يملك جزءاً من السلطة ويمارسها على الآخرين، وهؤلاء الآخرون أليسوا من طوائف أخرى. أليس صاحب تلفزيون الجديد من طائفة، وإذا صار رئيس مجلس النوّاب قبلة طائفته وخرجت هذه بخيلها وسلاحها للدفاع عن رمزه، ألن تشعر طائفة صاحب "الجديد" وهي أيضا كبيرة وقادرة، بأنها معنيّة وأنّ صاحب التلفزيون يتحوّل، في هذه الحالة أيضاً رمزاً وقبلة، وتغدو "الجديد" في هذه الحلة معياراً تتحلّق حوله الطائفة، وتتلبّس الإساءة اليه وإلى محطّته. ألن تتمنّى لو استطاعت أن تنزل بخيلها وسلاحها للدفاع عنه وعن تلفزيونه، ورغم عدم استطاعتها، ألن يحزّ في نفسها أنّها لا تستطيع، ألن يخطر للبعض منها أنّهم، في وضع المنطقة الحاليّ، لن يعدموا أنصاراً يستقوون بهم ولو "على مضض" إلاّ انّ ما حدث يعطيهم الحجّة الكافية، على الأقلّ بالمقاييس اللبنانية، ليفعلوا ذلك، وستكون حجّتهم أنّهم لم يطيقوا، وأنّهم "في نهاية المطاف" أجبروا على أن يستقووا بالآخرين. لقد بقي لبنان آمنا في زمن الإنتفاضات "وهو الخارج من حرب أهليّة تدخّل فيها الجميع" وربّما لم يكن هذا الأمن صلباً، فليس هناك في المنطقة أمن صلب، ما دامت المعارك على الحدود وأحياناً داخل لبنان وعلى أرضه. لا نبالغ إذا قلنا أنّ موجة كهذه قد تضع لبنان في فم المدفع، أو أن متوالية من أحداث كهذه، وهي ليست الوحيده على كلّ حال، قد ترمي لبنان في الخطر. الوقود موجود والماضي القريب شاهد، السلاح موجود وإن عزّ فمصادره ليست بعيدة. الغلبة الطائفيّة هذه ليست الأولى في تاريخ لبنان،هي مسبوقة بغلبات.

الغلبة المارونيّة سابقة، وهي كانت في تأسيس لبنان وربّما وراء تأسيسه. حملت الغلبة المارونيّة المشروع اللبناني الّذي لم يتسّع له النظام الطائفي، فالجشع الطائفي يحول دون ذلك، لكنّ الغلبة المارونيّة مورست من خلال الدولة وبأجهزتها. كان العنف عنف الدولة والغلبة غلبتها ولم يتوّزع بين السلطة وبين المجتمع كما نجد الآن، ولعلّ من المساخر ان نتحسّر على الغلبة المارونيّة، فالآن نفكّر فقط ببقاء لبنان وبأيّ ثمن.ِ