السبت 18 فبراير 2017 / 20:04

"ناتو" شرق اوسطي؟!

العرب في كل أحوالهم جيدة كانت أم سيئة، ليسوا مضطرين لمنح إسرائيل وحتى أمريكا، شيكاً مفتوحاً يتخلوا بموجبه عن التزامهم التاريخي والأخلاقي والثقافي بقضية فلسطين والشعب الفلسطيني.

هذه المقدمة ينبغي تذكرها كلما تحدث نتانياهو من طرف واحد عن نجاحه في استبدال العرب من أعداء الى حلفاء، وتضخيمه لبعض القنوات الضيقة التي ربما تفتحها الظروف، بين بعض الدول أو القوى العربية وإسرائيل، فالعلاقات حتى لو كانت صريحة وعلنية وموثقة كالعلاقات مع الفلسطينيين والمصريين والاردنيين، لا تعني إغلاق الملفات وإنهاء المواضيع الرئيسية للصراع، فالفلسطينيون الذين أقاموا علاقات امر واقع مع إسرائيل يكتشفون كل يوم أنه دون الحل النهائي المتكامل، فهذه العلاقات في أمر السلام والوئام، أوهى من خيوط العنكبوت، وفي أمر الصراع هي زيت يصب على النار، فلم يحدث أن بلغ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الدرجة التي بلغها الآن من السخونة والاشتباك الشامل.

وفيما يتصل بمصر، التي وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل وتبادلت معها التمثيل الديبلوماسي، وهنالك بعض العلاقات المستجدة خصوصاً فيما يتصل بالاستخدام المصري لسيناء خارج إطار الاتفاقات، فهذه العلاقة ما تزال دون الحد الأدنى حين يجري الحديث عن شروط التسوية الشاملة، وعند أي نقطة يقف المصريون في أمر الحل الشامل للنزاع العربي الإسرائيلي، وجوهره بالنسبة لمصر حقوق الشعب الفلسطيني.

وما ينطبق مع مصر ينطبق مع بعض الاختلاف الطفيف مع الأردن، الذي يضع في صلب سياسته ومصالحه قيام دولة فلسطينية مستقلة، كضمان أساسي لأمنه القومي واستقراره من كل النواحي.

أمّا اللاعب المهم جداً في معادلة الشرق الأوسط، وهي السعودية والخليج، فرغم التضخيم الإسرائيلي لحكاية الصداقة بدل العداء، والذي إن تُرجم فعلياً في أمر القضية الفلسطينية، فإنه لا يعني الكثير فإن حجر الأساس لتسوية شاملة متوازنة، وضعتها السعودية وحلفاؤها من خلال المبادرة العربية للسلام، التي سيكون الالتزام بها هو المدخل لعلاقات عربية وإسلامية شاملة، وبالتأكيد فإن جوهر المبادرة هو الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

ما أقوله يندرج تحت بند البديهيات المعلنة، ولكن هذه البديهيات ولكي تكتمل ابعادها السياسية والعملية، فلابد أن تظل ماثلة أمام العالم كرؤية عربية شاملة لحل النزاع، ويتعين على العرب أن يجرعوها للإدارة الأمريكية الجديدة، كي لا تزوغ الأبصار عن الأهداف والوسائل.

إن الذي يملي الحديث بكثافة عن هذا الأمر، وجَعلِهِ عنوانه المضمون للسياسية العربية تجاه إسرائيل، هو الحديث الذي لا يخلو من بعض الجدية في البداية حول ما يوصف بالتحالفات الجديدة تحت عنوان الأمن الإقليمي، حتى ان بعض المصادر تحدثت عن "ناتو" شرق أوسطي، تفكر فيها واشنطن كتجديد وتفعيل لتحالفاتها مع دول الإقليم والتي تعرضت لاهتزازات كثيرة خلال السنوات القليلة الماضية.

الأمن الإقليمي وضمانه وتوفير مرتكزات قوية لتكريس صيغه وآلياته هو حاجة عربية استراتيجية، فكل الكيانات العربية تواجه تهديدات من جهات عديدة، إلا أن الدور العربي في هذا الأمر الحيوي، يحتاج قبل التحالفات والاتفاقات مع الآخرين إلى توفير العضلة العربية القوية، التي تؤمّن للدول مشاركة إن لم تكن متكافئة بالمقارنة مع القوة الأمريكية، فيجب أن تكون بحجم يؤهلها لشراكة فعالة يستحيل احتوائها، والالتفاف على مطالبها السياسية المتصلة بكياناتها، وبقضايا المنطقة جميعاً ومن ضمنها القضية الفلسطينية.

ولا أعرف لماذا هبط الحديث كثيراً عن قوة عربية منسقة هي شرط أساسي لدخول معادلات زمن الربيع العربي الخطر، وما يرتب للمنطقة بعد توقف الحروب المشتعلة في جميع أنحائها.

إن الانشغال العربي في مكافحة الإرهاب، والتصدي للأخطار المباشرة والكامنة، يجب أن لا يغفل أهمية بناء وتصليب العضلة العربية الخالصة، التي توفر مصداقية للتحالفات، وبلغة ترمب توفر رصيدا لإبرام صفقات يأخذ فيها كل ذي حق حقه.

إن إدارة ترمب فيما يبدو تفتش عن وسائل تتميز بها عن وسائل وسياسيات الإدارات التي سبقتها، ولا يمر يوم دون ان يتحدث فيه ترمب عن إصلاح ما يصفه بالأخطاء الفادحة للإدارات الديموقراطية تخصيصاً، وبمنطق الانتهازية الإيجابية، يمكن رؤية باب مفتوح لدخول فعّال على عالم رجل الصفقات، الذي هو في واقع الأمر رئيس أكبر دولة في العالم، وفي السياسة لا يوجد ما يمنع من الدخول عبر هذا الباب.