الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الأحد 19 فبراير 2017 / 19:51

ترامب وحل الدولة والدولتين!

أزمة متفاقمة تعصف بإدارة ترامب، وهذا يعني أنها لن تتمكن من تكريس من يكفي من الوقت والجهد، ولن تحصل على ما يكفي من التأييد، في الداخل والخارج، لطرح "صفقة" جديدة جدية ومُقنعة لإحياء "عملية السلام"

تناولنا عشيّة وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي لواشنطن، احتمال أن يُضاف تعبير "الصفقة" المحبب لدونالد ترامب إلى لغة السياسة الأمريكية إزاء "عملية السلام" في الشرق الأوسط، في عهد الإدارة الجديدة.

وهذا ما حدث بالفعل، ولكن بطريقة بدت، للوهلة الأولى، وكأنها تمثل خروجاً على حل الدولتين، الذي أيدته إدارات أميركية مختلفة على مدار العقدين الماضيين. ففي مؤتمره الصحافي مع بنيامين نتنياهو تكلّم ترامب عن قبوله لحل الدولة الواحدة، أو الدولتين، إذا قبل الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني بأي منهما، وتكلّم عن "صفقة" إقليمية، تتجاوز الطرفين، وتضمن الحل.
وحتى إذا تجاوزنا ما يسم هذا الكلام من خفة، فقد انفتح الباب أمام تأويلات مختلفة بشأن النوايا والأهداف، وحقيقة ما طرأ من تحوّل على السياسة الأمريكية. ولا ينبغي، في الواقع، التقليل من شأن تلك التأويلات، وما تنطوي عليه من تداعيات بعيدة المدى على حاضر ومستقبل المنطقة.

ومع ذلك، إذا نظرنا إلى تصريحات ترامب في سياق ما تجلى من سلوكه السياسي، خلال أسابيع قليلة، بشأن قضايا مختلفة، فمن الواضح، كما يقول كثير من المراقبين، أنه لا يملك مؤهلات سياسية يُعتد بها، ولا أيديولوجيا واضحة المعالم تُمكّنه من بلورة مواقف يمكن تبريرها والدفاع عنها بطريقة مُقنعة. وفي سياق كهذا لم يجد كثيرون، في الولايات المتحدة، والعالم، والإقليم، صعوبة في القول إنه لم يكن يعي تماماً معنى حل الدولة، أو الدولتين، الذي تكلّم عنه.

والأهم، في هذا الصدد، وحتى إذا افترضنا، جدلاً، أن لدى ترامب تصوّرات جديدة بشأن "صفقة" جدية لإحياء "عملية السلام" في الشرق الأوسط، فمن الواضح لكل مراقب للمشهد السياسي الأميركي أن إدارة ترامب لن تجد الوقت والتأييد الكافيين للمضي قدماً في هذا الاتجاه، في ظل أزمة داخلية متفاقمة يصعب التنبؤ بنتائجها النهائية، ولكنها قد تطيح بترامب نفسه.
  
ففي غضون أقل من شهر على وصوله إلى البيت الأبيض، تلقى ترامب لطمتين من عيار ثقيل: من ناحية أبطلت محكمة فيديرالية أمره التنفيذي الخاص بدخول مواطني سبع دول، تقطنها أغلبية مسلمة، إلى الولايات المتحدة، ومن ناحية ثانية اُرغم على إقالة مستشاره لشؤون الأمن القومي، الجنرال فلين، على خلفية اتصالات غير مشروعة مع السفير الروسي، في الأيام الأخيرة لأوباما في البيت الأبيض.

والواقع أن حرباً مفتوحة قد اندلعت بينه وبين حيتان في وسائل الإعلام الأمريكية مثل نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وسي إن إن. فهؤلاء يتهمونه بالكذب، وتزييف الحقائق، والتحريض على العداء للسامية، والتمهيد لإنشاء نظام شمولي في الولايات المتحدة.

وتوجد منذ أسابيع على صدر الصفحات الأولى للصحف المعنية، وما لا يحصى من وسائل الإعلام في مختلف الولايات، وفي نشرات الأخبار المصوّرة، جداول يومية بعنوان "تصحيح الحقائق" للتعليق على تصريحات ترامب، والتدليل على مجافاتها للحقيقة. وقد وجد بعض ممثلي الكوميديا الأمريكية في شخصية ترامب مادة خصبة لإنتاج حلقات متلفزة تسخر منه بطريقة تعيد التذكير ببرنامج باسم يوسف في مصر، بعد صعود الإخوان إلى سدة الحكم في القاهرة.

ووصل الأمر في الأسابيع القليلة الماضية إلى حد المقارنة بينه وبين القذافي (التهريج وجنون العظمة)، والكلام، في سابقة هي الأولى من نوعها، عن "نظام ترامب"، وهذه عبارة جديدة في قاموس السياسة الأميركية. وحتى على شاشة قناة فوكس نيوز الإخبارية، الداعم التقليدي للشعبوية واليمين الجديد، لم يجد أحد أشهر مقدمي البرامج، في معرض التعليق على سلوك ترامب، سوى القول: "شيء جنوني ما نراه يومياً، شيء جنوني تماماً، ترامب يكرر أشياء مثيرة للسخرية، وغير صحيحة بالمطلق". أما توماس فريدمان، المُعلّق الشهير في نيويورك تايمز فكتب: "لا أقول إنه رئيس غير شرعي، ولكن أقول إنه لا يتصرّف كرئيس شرعي".

لكل ما تقدّم ثمة ما يبرر القول إن أزمة متفاقمة تعصف بإدارة ترامب، وهذا يعني أنها لن تتمكن من تكريس من يكفي من الوقت والجهد، ولن تحصل على ما يكفي من التأييد، في الداخل والخارج، لطرح "صفقة" جديدة جدية ومُقنعة لإحياء "عملية السلام"، ناهيك عن حقيقة ما ينتاب الأطراف الإقليمية الفاعلة من تحفظات إزاء الرهان على ترامب نفسه، وصعوبة التنبؤ بتصرفاته. هذا، على الأقل، في المدى المنظور. وما قد يحدث بعد عام يصعب التكهن به.