القيادي الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي.(أرشيف)
القيادي الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي.(أرشيف)
الإثنين 20 فبراير 2017 / 19:07

عن إجماع الشعب.. وإجماع "المركزية"

يبدو استبعاد البرغوثي الذي يجمع عليه الشعب ولا تجمع عليه المركزية، مفيداً للمناضل الأسير من ناحية تأكيد براءته من المشاركة في هذا الأداء التسووي الذي يتماهى مع الاحتلال

لم يكن ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح موفقاً في تبريره لاستبعاد القيادي الأسير مروان البرغوثي من تولي الموقع المستحق في الإطار القيادي الأول في الحركة، لكنه كان صادقاً في كشف طبيعة التشكيل القيادي الحاكم في أكبر فصيل وطني في الساحة الفلسطينية، وهو التشكيل القريب من الرئيس بقدر بعده عن كوادر وقواعد فتح وعن الشارع الفلسطيني عموماً.

قال القدوة إن أعضاء اللجنة المركزية لم يجمعوا على اختيار البرغوثي نائباً لرئيس الحركة، وتجاوزوا العرف المتبع بتولي الحائز على أعلى الأصوات في الانتخابات الحركية لهذا الموقع. لكن هؤلاء، وبحسب ما قاله القدوة ومن قبله زميله في المركزية عباس زكي، أجمعوا على قبول قرار الرئيس محمود عباس وخياراته في توزيع الحقائب الحركية على أعضاء اللجنة.. ولذلك تم استبعاد البرغوثي تماماً، وغاب صاحب أكبر حضور جماهيري عن المشاركة في قيادة أكبر فصيل جماهيري!

لكن قرارات المركزية على ما فيها من استفزاز وابتعاد عن الشارع جاءت معبرة عن واقع الحال الفتحاوي البائس في زمن حشر فتح في المقاطعة وتطويع الحركة لخدمة أجندة الرئيس والحلقة المقربة منه، وللحفاظ على الجمود المفيد لهذه الأجندة، والاستمرار في المناورة السياسية البائسة التي تعتمد المفاوضات خياراً وحيداً للتسوية، وتشطب كل الخيارات الممكنة في مواجهة الاحتلال، بل إنها تدين المقاومة باعتبارها عنفاً غير مبرر وإرهاباً "يضر عملية السلام". وربما يكون في في هذه القرارات ما يقنع البرغوثي في محبسه بعدم جدوى الرهان على جوقة عباس الأوسلوية، ويقنعه بالتوقف عن توفير الغطاء الشعبي لها بتصريحات ومواقف تمنحها شرعية غير مستحقة.

من زاوية أخرى يبدو استبعاد البرغوثي الذي يجمع عليه الشعب ولا تجمع عليه المركزية، مفيداً للمناضل الأسير من ناحية تأكيد براءته من المشاركة في هذا الأداء التسووي الذي يتماهى مع الاحتلال، كما أنه يكشف الهوة الكبيرة بين ما يريده الشعب وما تريده وتسعى إليه القيادة المتكئة على شرعية الاقتراع في مؤتمر إقصائي عقد بمن حضر من الذين تم اخيارهم والموافقة عليهم من قبل الرئيس بعد عملية فرز أسفرت عن إقصاء مئات المناضلين، وجلبت الكثيرين من المرضي عنهم وعليهم، ومنهم من لا علاقة له بالعمل الحركي أصلا.

ويبدو أن تفسير وتبرير القدوة لم يكن مقبولاً ولا مستساغاً، ما دعا آخرين إلى تقديم تفسيرات أخرى غير مقنعة أيضاً، ومنها أن الرئيس عباس تعرض لضغوط خارجية قوية لاستبعاد البرغوثي.. وخضع لهذه الضغوط واستجاب للضاغطين!

لا يستقيم هذا التبرير مع تصريحات محمود عباس في الرد على الدعوة العربية التي تبنتها مصر والأردن لتوحيد حركة فتح واستعادة ألقها الوطني في الشارع الفلسطيني، فقد رفض الرئيس هذه الدعوة واعتبرها تدخلاً غير مشروع في الشأن الفتحاوي، وتعهد علانية برفض أي تدخل من هذا النوع وذلك حفاظاً على استقلالية القرار بحسب تعبيره.. ما الذي تغير إذن، ولماذا يستجيب الرئيس لضغوط الضاغطين لاستبعاد المناضل مروان البرغوثي؟ ومن هم الذين ضغطوا على سيادته، ولماذا؟

لا نظن أن مصر والأردن تدخلا في هذا الموضوع، فقد اكتفت الدولتان بالدعوة إلى وحدة الحركة، ولم تتطرقا في أي وقت إلى أسماء التشكيل القيادي أو مواصفات أعضائه. لكن الطرف المعني مباشرة بالأسماء والمواصفات هو الطرف الإسرائيلي شريك عباس في المفاوضات وفي التسويات، ولا شك في أن الإسرائيليين معنيون كثيراً باستبعاد البرغوثي من أي موقع. وربما تكون هناك أطراف عربية وإقليمية أخرى معنية بهذا الاستبعاد لإدراكها بأن عودة الرغوثي إلى واجهة العمل الحركي والنضالي تؤدي إلى إضعاف حركة حماس ونفوذها في الشارع الفلسطيني، وهو ما تكشفه استطلاعات الرأي المتلاحقة منذ أكثر من عشر سنين.

تم الاستبعاد بقرار رئاسي مخالف ومضاد لإجماع الشارع الوطني، وفي ذلك تأكيد على المضي بالتفرد بالقرار وعزل فتح وتحويلها إلى مجموعة عمل سياسي ترفع شعار الحل بدلاً من التحرير، فهل يعي أبو القسام هذا الواقع أم أن سجانيه يحجبون عنه رؤية هذا التحول.