من القمة العالمية للحكومات. (أرشيف)
من القمة العالمية للحكومات. (أرشيف)
الثلاثاء 21 فبراير 2017 / 19:00

إنهم يصنعون المستقبل

لا أخفي رجائي في أن أشهدَ لحظة طيبة تنهجُ فيها بلادي مصر، وكافة الدول العربية، نهجَ الإمارات المحترم

بعضُ الدول تنظرُ في أزمات المجتمع ومشكلات المواطنين؛ فتبدأ الحكوماتُ في وضع الخطط وتشريع القوانين لعلاج تلك الأزمات. ثم تبدأ الأجهزةُ التنفيذية في تنفيذ الخطط على المدى القريب أو البعيد. تلك هي الدول الناهضة أو النامية.

وبعضُ الدول ترصد أزمات المجتمع ومشكلات المواطنين، ثم لا تعبأ بها ولا تسعى لحلّها. فتتزايد وتتفاقم وتصبحُ الأزماتُ كوارثَ، والمشكلاتُ الصغيرةُ والكبيرةُ تصير جزءًا من طبائع الأمور. ومع الوقت، تغدو تلك المحنُ رواسخَ ثِقالاً يعتادُها الناسُ ويألفونها حتى يكادوا لا يعتبرونها أزماتٍ ولا محنًا، بل ركنٌ ركينٌ من يومهم. هنا، تنقلها الحكوماتُ "الرشيدةُ" من خانة "المشكلة" إلى خانة "الواقع" المُعاش، وتُخرجها من طور الشيء الباحث عن حلّ، إلى طور "الفرض" الذي يقبله المواطنُ طوعًا أو كرهًا ولا يجرؤ على المطالبة بتغييره. ويومًا بعد يوم، وعامًا وعقدًا بعد عامٍ وعقد، وجيلاً بعد أجيال، ينسى الناسُ أن يحلموا، مجرد الحلم، في أن تمُنَّ عليهم السماءُ بحلٍّ لما يعانون منه. تلك هي الدولُ الرجعيةُ والمتخلّفة.

لكنّ هناك دولاً لها طبيعةٌ أخرى مغايرة للنموذجين السابقين. دولٌ حلّت أزماتِها الراهنة ووفرت لمواطنيها سُبُل العيش الكريم، فلا تكادُ تواجه يومَهم أو ليلَهم مشكلاتٌ "بدائية" من قبيل توافر الماء والطاقة والطعام والعمل ونظافة الطرقات ووسائل الانتقال والرعاية الصحية والتعليم الجيد للنشء واحترام السلطاتُ لقيمة الإنسان وتشريع القوانين التي تضمن كرامة الإنسان وإعلاء شأن الطفل والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة وسنّ تشريعات تُكرّس احترام الحيوان والطير والأخضر والتراث والآثار وتأمين الدخل المادي الذي يفي باحتياجات الأسرة ويفيض، وغيرها من ضرورات أساسية لا يكون الإنسانُ إنسانًا إلا بها. ثم لا تكتفي تلك الدول بكل ما سبق، بل تزيدُ من سموّها وتحضّرها بألا تقبل أن تكون ردّة فعل للواقع. فلا تنتظر المشكلةَ لتبحث لها عن حل. بل تستبق الزمن، وتنظرُ في المشكلات والأزمات التي "قد" تلوح في الأفق البعيد، فتسارع إلى التخطيط لمواجهتها، قبل حدوثها، فلا تكادُ تحدث، حتى يُبحث لها عن حل. تلك هي دول العالم الأول، الدول المتحضّرة. وهي غالبًا، الدول الغربية التي يفرُّ إليها مواطنو دول العالم الثالث ويبيتون لياليهم أمام سفاراتها وقنصلياتها حالمين بتأشيرة دخول إلى رحابها، لو أسعدهم زمانُهم وطابَت حظوظهم. لكن هناك دولاً، عربية، من حُسن الطالع، نجحت في أن تجعل من نفسها ذلك النمط السعيد من دول العالم الأول. على رأسها تأتي دولةُ الجمال والرَغَد. دولةٌ رسم اسكتشها رجلٌ نابه ذكي خيِّر، أحبَّ اللهَ فأحبَّ خلقَ الله، وأحبَّه خلقُ الله. قرر ذلك الرجلُ أن يعيش أبناءُ شعبه حياةً راقية متحضّرة لا يُهدَرُ فيها يومُهم في أزماتٍ بدائية مُخزية لا تليق بكلمة "إنسان". الرجل اسمه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والدولة اسمها دولة الإمارات العربية المتحدة، والقائمون عليها اليوم هم أبناءُ ذلك الرجل النبيل، حملوا مشعله المستنير من بعده، وساروا على دربه المحترم، جيلا ًمن بعد جيل، وعقدًا في إثر عقد.

بعدما حلّت الإماراتُ مشاكل المواطن والوافد على أرضها منذ عقود، حتى باتت الأزماتُ الي يعاني منها مواطنو العالم الثالث من بقايا الفولكور القديم، وجّهت نظرها لقراءة المستقبل، واستباق الأحداث لمنع المشاكل المستقبلية. لهذا عاشت إمارة دبي هذا الحدث العالمي الفريد. “القمة العالمية للحكومات" في عامها الخامس. تحدث فيها ١٥٠ مسؤولاً من ١٣٩ دولة من دول العالم، إقليميًّا وعالميًّا، واستشرفوا المستقبل في هذا الكوكب، وأعدوا الجاهزية لمواجهة تحديات الغد في شأن التعليم والصحة والسعادة والتنمية المستدامة. خلقوا في ذلك المؤتمر منصّة عمل دولية مشتركة لتوحيد الجهود العالمية لمواجهة الغد، بما فيها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة اليونسكو، ومنظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، والمنتدى الاقتصادي العالمي، وغيرها الكثير من المنظمات والمؤسسات العلمية والصناعية الكبرى والبنوك. جاؤوا يصنعون جلسات عصف ذهني علميّ لدراسة سلوك المجتمعات والحكومات في المستقبل، وآليات التعاطي مع التحولات العالمية ومستجدات الثوراث الصناعية والرقمية المرتقبة. قال مقدّم المؤتمر: "الانشغال بالمستقبل لم يعد ترفًا بل ضرورة تفرضها المتغيرات المتسارعة على مستوى العالم في ميادين كثيرة". تؤكد القمة على ضرورة تفعيل دور الشباب في صناعة الغد وتعزيز مفهوم الابتكار العلمي ومنح الجوائز القيمة لأصحاب العقول الابتكارية التي تصنع غدًا أسعد للإنسان فوق هذا الكوكب.

الحقُّ أنني لا أُخفي إعجابي المتزايد بدولة الإمارات العربية المتحدة وما تصنعه من أجل صالح الإنسان داخل أرضها، وخارجها. والحقُّ أنني لا أُخفي غبطتي لنهج تلك الدولة المتحضرة الراقية في التعامل مع قيمة الإنسان وتأمين سعادته. والحقُّ أنني لا أخفي رجائي في أن أشهدَ لحظة طيبة تنهجُ فيها بلادي مصر، وكافة الدول العربية، نهجَ الإمارات المحترم. طوبى لكم يا من تصنعون الحياة، طوبى لكم يا من تصنعون المستقبل.