الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.(أرشيف)
الثلاثاء 21 فبراير 2017 / 19:02

سلم ترامب والدولة المستقلة

اخفاق اتفاق أوسلو في إيصال الفلسطينيين إلى حل الدولتين وتسارع الاستيطان في الضفة الغربية وتعمق الانقسام بين فتح وحماس قلص أوهام الأجيال التي لم تعش زمن السبعينات في امكانية تحويل شعار الدولة المستقلة إلى واقع

يجد العقل السياسي الفلسطيني صعوبة في التعامل مع فكرة الدولة الواحدة من زاوية الرفض والقبول لسببين أحدهما أنها جاءت في ظروف حرجة على لسان الرئيس دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي شارك فيه بنيامين نتانياهو وثانيهما كيفية وآليات تغييب الفكرة المطروحة عن أدبيات الحركة الوطنية الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي.

صعوبة الموقف الفلسطيني تكمن بالدرجة الأولى في تباينات تفكير تتداخل ظلاله لتجمع بين مظاهر نوستالجيا ممتدة إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وتطلعات جيل الثمانينيات وأجيال لاحقة.

لم يغب عن أجيال من الفلسطينيين أن الدولة التي تحدث عنها ترامب لم تكن من ابتكاره فهي الهدف الذي خيضت من أجله معارك ما كان يعرف بالثورة قبل إقرار المجلس الوطني الفلسطيني البرنامج المرحلي ـ المعروف ببرنامج النقاط العشر ـ في العام 1974 مما يجعل طرح الرئيس الأمريكي للفكرة مجدداً أقرب لمحاولة الإعادة القسرية إلى الثوابت التي تخلت عنها القيادة الفلسطينية في يوم من الأيام.

وفي ذاكرة الذين عاشوا زمن جبهة الرفض في بيروت السبعينات صدى لموجة الصخب والعنف التي كادت أن تعترض تحويل الدولة المستقلة من شعار ترفضه قوى فلسطينية فاعلة إلى هدف تبنته الحركة الوطنية الفلسطينية على مدى العقود اللاحقة.

منذ ذلك التاريخ وحتى صعود ترامب ونتانياهو إلى منصة البيت الابيض تعامل بعض الأجيال الفلسطينية مع اقرار الدولة المستقلة ـ الذي بات يعرف بخيار الدولتين ـ باعتباره محاولة للتكيف مع نتائج حرب 1973 والإشارات السوفيتية الواضحة لصعوبة تحقيق الهدف الأصيل .

الظروف الإقليمية والدولية التي أملت ذلك التكيف لم تحل دون الايغال في توجيه اتهامات للقيادة الفلسطينية تبدأ من العجز عن تسويق فكرة الدولة الواحدة ولا تنتهي عند إشارات قوى يسارية إلى تعامل "الكمبرادور" الفلسطيني مع تثبيت هدف الدولة المستقلة في الادبيات السياسية باعتباره خطوة أولى باتجاه إيجاد سوق لممارسة نشاطاته التجارية.

اخفاق اتفاق أوسلو في إيصال الفلسطينيين إلى حل الدولتين وتسارع الاستيطان في الضفة الغربية وتعمق الانقسام بين فتح وحماس قلص أوهام الأجيال التي لم تعش زمن السبعينات في امكانية تحويل شعار الدولة المستقلة إلى واقع وعزز قناعة أجيال سابقة بوصول المغامرة الى نهاياتها.

الوصول إلى هذه النتائج لم يكن كافياً للخروج من فقاعة الوهم والعودة إلى الهدف الأصيل حيث يقتضي تحول من هذا النوع تفاعلات داخلية تفضي إلى فهم جديد للواقع وإذا سلمنا بالتفسير اليساري القديم يتطلب الأمر تراجع الكمبرادور الفلسطيني عن حلم السوق.

يوفر السياق الذي جاءت فيه إشارة ترامب الى الدولة الواحدة فرصة لنزول القيادة الفلسطينية عن شجرة الدولة المستقلة ومواءمة ثوابت غيّبتها ظروف دولية وإقليمية مع تطورات مبنية على واقع نهاية خيار الدولتين وقد تتمكن "مقاطعة" رام الله في حال اقتناصها الفرصة من تجاوز عزلتها الشعبية الناجمة عن اقتصار دورها على توفير الأمن للجانب الاسرائيلي.