من محادثات أستانة.(أرشيف)
من محادثات أستانة.(أرشيف)
الثلاثاء 21 فبراير 2017 / 19:03

شهود الثورة السورية و"جنيف الرابعة الأخرى"

روسيا ترى في النظام الأسدي ألعوبة ستحقق لموسكو استمرار تواجدها في شرق المتوسط، بغض النظر عن نظرية استثمار الغاز السوري الواعد في المياه الإقليمية، أو حرب مشاريع أنابيب الغاز نحو أوروبا بين قطر وروسيا. وترى إيران في "سوريا الأسد" نافذة للإطلال على البحر المتوسط ومجاورة إسرائيل لملاعبة أمريكا،

يشهد على ثورة السوريين أنها لا تزال تعيش في حياة كثيرين، من سوريين وغير سوريين، فالزمن لم يتقادم إلى درجة أن تصبح الثورة تاريخاً منسياً. وهي حية لأن المؤمنين بها لم يعلنوا هزيمتهم على يد النظام وداعميه، ومازالوا يفرقون بين اقترافات النظام والفصائل العسكرية المسلحة في حقها، وبين المدنية التي أطلقت شرارتها دون اتفاق، لكن بكثير من الجدارة والاستحقاق حتى لو لم يكن لها نظرية ومنظرين، ولو لم يكن لها قائد كما ينبغي في النهايات، وبين العسكرة التي دفع إليها النظام.

ويشهد على ثورة السوريين أنها لم تكن ذات لبوس ديني في منطلقها، وبالتالي هي بريئة في نسختها الأولى من تهمة الانحياز الطائفي. هذا على الرغم من القول المعتبر الذي يتوقع حدوث انتقامات طائفية في ما لو تمكن الثوار من امتلاك القوة الكافية أمام ما تبقى من قوات النظام الأسدي.

شهود الثورة الذين تفرقوا في الشتات، كلاجئين، أو كمنوا في الداخل كنازحين، وحتى من تخلى منهم عن الثورة كإيمان، أبعد ما يكونون عن الميل الديني المنحرف لدى معظم الفصائل المسلحة، الموالية للنظام، أو المعارضة له. ولذلك هم احتياط الموجة الثورية القادمة حين يعلن المتحاربون عجزهم عن متابعة المقتلة السورية، سواء باتفاق سياسي، أو بعد إجبارهم من القوى المتحكمة على تنحية السلاح، أو التوصل إلى ما يشبه "اتفاق طائف" سوري لا يكرس أمراء حرب الطوائف وفق الصيغة اللبنانية المعروفة.

فأمراء الطوائف وفق الصيغة السورية ينتمون تحديداً إلى طائفة النظام وداعميه، إيران وحزب الله والمرتزقة، مما لا يصح على مقاتلي المعارضة، كونهم لا يتمتعون بالغطاء السياسي، بعد أن فقدوا التأييد الشعبي. وبمجرد نزع سلاح هؤلاء سيعودون إلى حجمهم الطبيعي كناس عاديين. وفي أسوأ الأحوال سيكونون مجرد مسلحين خارجين على القانون يمكن التعامل معهم بالطرق التقليدية، القانونية، أو العسكرية.

قد نستثني من هؤلاء جبهة النصرة (مهما تغير اسمها)، إضافة إلى داعش، كونهما يحملان فكر القاعدة، ويمارسان القهر حتى على حامل الثورة الشعبي في بداياتها، من خلال خداع هذا الحامل برفع شعار الدفاع عن الناس في مواجهة بطش النظام.

في المقلب الآخر، داعمو النظام يميزون، أيضاً، بطريقة ما بين الفصائل المختلفة ذات المكون السني، وبين النصرة وداعش السنية أيضاً، وإن كان إعلام النظام يسميها "العصابات الإرهابية" تمييزاً لها عن داعش والنصرة.

جولتا أستانة الفاشلتان، ترشحان جنيف4، بعد أيام، إلى فشل المتحاورين بالضرورة، ليس فقط لأن النظام يسمي مفاوضه "عصابات إرهابية"، وليس لأن المعارضة متمسكة بهدف إسقاط النظام، بصيغة ما، بل لأن الإرادات الدولية لا تزال في مرحلة البازار لتقاسم المنافع. فتلك الإرادات لم تتأثر بمجازر النظام، ولا بتجاوزات الفصائل، وهي لا ترى الائتلاف والمكونات السياسة الأخرى كفؤاً كي يقودوا مرحلة انتقالية.

مثلاً، روسيا ترى في النظام الأسدي ألعوبة ستحقق لموسكو استمرار تواجدها في شرق المتوسط، بغض النظر عن نظرية استثمار الغاز السوري الواعد في المياه الإقليمية، أو حرب مشاريع أنابيب الغاز نحو أوروبا بين قطر وروسيا. وترى إيران في "سوريا الأسد" نافذة للإطلال على البحر المتوسط ومجاورة إسرائيل لملاعبة أمريكا، ملاعبتها فقط، في منطقة نفوذ تاريخي للأولى. وترى الولايات المتحدة في سوريا الضعيفة بوابة لتحجيم دور إيران على "حدود" إسرائيل، وتحجيم طموح حليفتها الأطلسية تركيا الطموحة للعب دور أكبر مما تتيحه لها إمكاناتها الذاتية. أما تركيا فغارقة في رهاناتها الخاطئة، من تحالفها الأطلسي مع أمريكا، ما اضطرها للتحالف مع عدوتها التاريخية روسيا خوفاً من نشوء كيان كردي آخر على حدودها، إلى "تكويعتها" تجاه روسيا، وارتدادها عن خطاب الدعم المطلق للثورة السورية، وصولاً إلى تأثرها المباشر بمفاعيل تلك الرهانات الخاطئة على المستويين الاقتصادي والأمني.

لا مكاتبات، اليوم، بين السوريين، وبين ممثليهم من السياسيين والعسكريين المعارضين، بل لا شيء يدعو للتفاؤل حتى في إمكان اتفاق السياسيين والعسكريين في ما بينهم ولو على حساب الشعارات الأولى للثورة. ولا أمل في حدوث اتصال بين المعارضة و"قاعدتها الشعبية"، أو بين الموالاة و"قاعدتها الشعبية". فالناس هنا، وهناك، عاجزون عن الاتصال بتلك "النخب"، أو التأثير عليها. ولو كان ذلك ممكناً لكان لصور "قيصر" الـ 55 ألفاً أن تفعل فعلها منذ منتصف 2013، أو لوصلت صرخات 13 ألفاً على أعواد مشانق صيدنايا إلى أسماع العالم، فضلاً عن الخبر اليومي الطازج لدماء مئات الآلاف، وآلام ملايين اللاجئين والنازحين، والخطوات غير المرئية لما لا يقل عن 750 ألفاً أصبحوا في عداد ذوي الحاجات الخاصة بعد أن عاجلتهم براميل الأسد وصواريخه.

تحوُّل جنيف إلى "إله" ينتظر السوريون الخلاص على يديه قد يشبه مرحلة الخلاص من آلهتهم الوثنية في الأيام الأولى للإسلام، حين شكل الدين الجديد ثورة على عادات القبيلة، والقبائل المتفرقة.