الأربعاء 21 أغسطس 2013 / 21:40

محاربة التطرف

التطرف فكر متشدد يريد أن يُفصّلك على مقاسه بالضبط، بالضبط تماماً، وإذا حصل واستطالت أطرافك خارج هذا المقاس فهو لن يتورع عن أن يقصقصها، بدعوى تشذيبها. يعتبر نفسه منسق حدائق روحية، ويريدها حدائق شوكية فقط. يعتبر الزهور من شأن الدنيا وشأن الدنيا وبال على الدين.

المتطرف شخص لا يعجبه أمرك ويظن أن أمرك هو أمره، فينشغل بشأنك، حتى يصبح شأنه. يجعلك هدف حياته. يعدّ أنفاسك وكيف تنهض من سريرك وبأي قدم تسير وكيف تحلق شعر وجهك وإن كنت تخفي شعر رأسك. وماذا تضع على رأسك من أقمشة، وكيف ترتدي ملابسك، وتبدو مسألة الشعر والأقمشة حيوية للغاية، وفي أحيان كثيرة هي بالنسبة له مسألة حياة أو موت.

اعفاؤك للحيتك أو تغطيتك لشعرك قد ينقذ حياتك حين تشبهه، وحلقها أو حسر غطاء رأسك قد يكلفك رقبتك. وتتساءل كيف تتساوى رقبة بأقمشة و شعر. ولكنه التطرف لا مجال فيه لتطرح تساؤلات منطقية، فالتساؤل شك والشك كفر.

يريد حين يراك أن يرى نفسه، كأنك مرآته، فعليك أن تشبهه تماماً، تحمل نفس تقاطيع وجهه، ونفس التعابير، إن كان طويلاً فإياك أن تبدو قصيراً، وعلى رأسك أن يشبه رأسه، بكل ما يدور بداخله. هو سيبحلق فيك باستمرار فلا شغل لعينيه إلا أن تعمل كأشعة كاشفة لما يدور برأسك والويل لك لو شعر أنك تفكر، وتدور برأسك أسئلة. وسيظل متيقظاً لقلبك، يعد نبضاته التي عليها أن تبقى على نفس الوتيرة فإن شذ منها نبض ستجد قبضته وقد أطبقت على أنفاسك. يريدك أن تشبهه كأنك توأمه وإن اختلَفتَ فقد مرقت. والمارق عليه الحد. المنطق الوحيد الذي يقبله هو منطقه. لكي يسعد بك عليك أن تدخل حظيرة فكره كأي نعجة طيبة قانعة خانعة لا تريد من هذه الدنيا سوى أن تموت بسلام.

كيف نحارب التطرف؟ المواجهة المباشرة تجعله يتخذ مكاناً أقوى لأنها تجعل منه طرف نزاع، فيتحقق وجوده. فالشيء يظل هلامياً لا مرئياً حتى تتجه نحوه وتبصره، والإبصار يحدد ملامحه، ويوجده، فيكون لك ندّ. وبذلك يقوى ويشتد. التطرف فعل موت. وفعل الموت لا يواجه إلا بفعل الحياة. وفعل الحياة هو فعل الخير. وفعل الجمال. وفعل الحرية. وفعل العدالة وفعل احترام كرامة الانسان. هو أن يمتلك كل فرد حق الذهاب بعيداً في ممارسة الوجود بكل إمكانياته. فيفرح ويضحك ويبكي ويسير ويتعثر وينهض ويجد كل الطرق مفتوحة أمامه ليبحث في الأرض عن دلائل السماء حتى يلقى وجه ربه.

التطرف فعل موت، نواجهه بالإيغال في أفعال الحياة. الاحتفاء بكل جزيئاتها، فرض الإحساس بقوتها، بحقيقيتها. أخذها كمشروع فرح ومحبة وبهجة إنطلاقاً من الانتباه لمكونات الوجود جميعها؛ مثل أغصان الورود ، وأوراق الشجر، والسحابات الحبلى بالمطر، وابتسامات الصغار، وأحلام الشباب، وذكريات الكهول، والانحناء بإكبار للكينونة المقدسة للانسان. المتطرف يقتل الانسان دفاعاً عن مقدسه المزعوم في حين أن الروح الإنسانية هي الأكثر قدسية على الاطلاق.

تأمين السقف الذي يكفل كل ذلك، يعني احتفاء بالحياة وتفاصيلها، وانشغالاً بالوجود الحقيقي الحر الحيوي المؤثر في مسيرة الانسان؛ هذا الكائن الذي يسعى، بالرغم من إخفاقاته، ليطور شكل حياته ويثري قلبه ويغني فكره إخلاصاً لفكرة وجوده على قيد الحياة، وتحملا ً للمسؤولية الملقاة على عاتقه منذ ولد بالسعي لأن "يكون".