مؤتمر الشتات الفلسطيني من اسطنبول.(أرشيف)
مؤتمر الشتات الفلسطيني من اسطنبول.(أرشيف)
الإثنين 27 فبراير 2017 / 20:19

إسطنبول رام الله.. وبالعكس!

أين الصوت المختلف مع أوسلو في المنظمة؟ وأين المواقف النارية للجبهة الشعبية والفصائل التي كانت، بفعلها النضالي على الأرض، قادرة على إجهاض التسويات والحلول المشبوهة؟

لا نشك إطلاقاً في النوايا الوطنية الصادقة لمعظم الشخصيات التي شاركت في تنظيم مؤتمر الشتات الفلسطيني في إسطنبول قبل أيام، ولا نتورط في القفز إلى اتهام المشاركين بالتآمر على منظمة التحرير الفلسطينية وعلى تمثيلها الشرعي لجموع الفلسطينيين في الداخل المحتل والخارج المستضيف. ومهما بلغت حماسة المشاركين في قرارات المؤتمر التي حاولت خدش شرعية المنظمة، فإن الجهد المبذول في إسطنبول يستحق التوقف والبحث في الأسباب التي دعت إلى عقد هذا المؤتمر، رغم التحفظ على مكان انعقاده وعلى تكليف حركة من خارج منظمة التحرير وهي حركة حماس بتولي الإشراف على تنظيم المؤتمر وتوجيه مخرجاته.

نظرياً ينبغي التشبث بوحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، وينبغي مواجهة محاولات الاختراق والمس بشرعية هذا التمثيل، خاصة وأن السلطتين القائمتين بحكم الأمر الواقع في الضفة وغزة لا تدعيان ولا تستطيعان الادعاء بتمثيل الشعب الفلسطيني في الشتات ووراء الخط الأخضر، وإن كان رئيس سلطة الضفة محمود عباس يظن أحياناً أنه رئيس لكل الفلسطينيين، وإن كانت شيوخ حماس في إمارة غزة يعتقدون أحياناً أن فلسطين كلها محشورة في الإمارة.

عملياً ينبغي التفكير في وضع المنظمة وجدوى تمثيلها للكل الفلسطيني، وهي على هذا الحال من البؤس السياسي البائن والمتجلي في تبعيتها العملية لسلطة أوسلو وبرنامجها، وفي ظل ارتهان مكوناتها اليسارية والقومية وفصائلها الأخرى لمزاج رئيس السلطة وتهديداته المتواصلة بمعاقبة المختلفين معه ومع خط أوسلو بتجميد مخصصاتهم المالية وقطع رواتبهم.

وإذا جاز لنا استعارة المقولة الدارجة في التوطئة لتجديد الخطاب الديني في العالم الإسلامي، وهي التي تنص على أن "الخلل ليس في الإسلام ولكن في المسلمين"، فإننا نقول إن "العيب ليس في المنظمة ولكن في أعضائها".

لو كان حال المنظمة على غير ما هو عليه، لما جرؤ أحد على الدعوة إلى عقد مؤتمر لفلسطينيي الشتات في إسطنبول أو غيرها. ولو كانت مؤسسات المنظمة فاعلة في أداء مهماتها لما كانت هناك حاجة للتوقف والمراجعة، ولما كان آلاف الفلسطينيين متحمسين للمشاركة في مؤتمر الشتات.

لكن "لو" لا تطعم خبزاً سياسياً، فواقع الحال يؤكد أن منظمة التحرير، في زمن ما بعد أوسلو وفي عهد رئيس السلطة المتفرد بالقرار، مجرد هيكل هزيل يتكئ على أعمدة شرعية نضالية تفقد أهميتها بالتقادم، بعد أن صار النضال مسبة والمقاومة عاراً وطنياً.

أين الصوت المختلف مع أوسلو في المنظمة؟ وأين المواقف النارية للجبهة الشعبية والفصائل التي كانت، بفعلها النضالي على الأرض، قادرة على إجهاض التسويات والحلول المشبوهة؟
أين من كانوا يعتبرون "مؤتمر جنيف – 74" خيانة، ولماذا يقبلون الآن بالانخراط في مؤامرة أوسلو؟  

ولماذا ينبغي أن يتمسك فلسطينيو الشتات بشرعية فصائل انتقلت من النضال ضد الاحتلال إلى النضال من أجل الكهرباء؟ نتساءل أيضاً عن الرفاق في الجبهة الديمقراطية، وهم الذين أشبعونا تنظيراً في سنوات الجمر، وعن دورهم المنسجم والمتماهي، ليس فقط مع "البرجوازية الوطنية"، ولكن مع الكمبرادور أيضاً. ثم لماذا تظل أطر المنظمة أسيرة للمحاصصة والاسترضاءات؟ ولماذا يخضع مصير المجلس الوطني الفلسطيني لمزاج رئيس السلطة الصغيرة في رام الله؟

لدينا الكثير مما يمكن أن نقوله عن مؤتمر اسطنبول وعن تجييره لخدمة أجندة جماعة الإمارة في غزة، ولدينا الكثير من التحفظات على بعض المشاركين في هذا المؤتمر وعلى ولاءاتهم غير الفلسطينية. ويحق لنا أن ننتقد بأدب عقد المؤتمر وقراراته، ولكن لا يجوز للمتورطين في تخريب المنظمة من الداخل والتآمر على دورها أن ينتقدوا مؤتمر اسطنبول بقلة أدب.
وإذاً التشكيك في تمثيل مؤتمر اسطنبول لفلسطينيي الشتات حقاً لأي فلسطيني، فإن التشكيك بمجلس وطني يعقد في مقاطعة السلطة في رام الله بمن يحضر ممن ينتقيهم رئيس السلطة وزمرته واجب على كل فلسطيني، وفرض عين على كل أبناء منظمة التحرير.