السبت 4 مارس 2017 / 20:10

طبقة سياسية في غيبوبة

أكثر المراحل صعوبة في حياة الفلسطينيين هي هذه المرحلة، ويمكن وصفها بموضوعية. أنها انتقال الأمور من بداياتها الواعدة الى نهاياتها الكارثية.
بإحصاء للخسائر وبالعناوين فقط أعرض ما يلي:

اولاً: بدايات منظمة التحرير، وعدت بتجسيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ولهذا أخذت بجدارة صفة الممثل الشرعي الوحيد للشعب وآماله.
الذي حدث هذه الأيام أنّ منظمة التحرير صارت جسماً متنازعا علها بين القبائل الفلسطينية، وهدفها الرئيسي حق تقرير المصير صار أثراً بعد عين مع انهيار حل الدولتين، والمقصود هنا الغاء الدولة الفلسطينية.

ثانياً: بدايات السلطة الوطنية، بشّرت بعد الحصول على واحد بالمائة من الأرض الفلسطينية، لاقامة مؤسسات وإدارات وهياكل تتطور لتصبح دولة، فإن هذه السلطة صارت طريدة لبعض أهلها، ولكل الإسرائيليين الذين لا يرون مستقبلاً لها إلا ما هي عليه الان، وحكاية الدولة صارت خرافة.

ثالثاً: في زمن ما.. كانت القضية الفلسطينية توصف بالقضية المركزية للأمة العربية، وبعد الإطاحة بنظام الشاه من قبل الخميني، تعجل الفلسطينيون دون تدقيق وأضافوا مصطلح القضية المركزية للأمة الإسلامية كذلك.

رابعاً: على الصعيد الدولي اجمع العالم بلا استثناء، على أهمية حل القضية الفلسطينية كأساس لاستقرار راسخ في الشرق الأوسط، ومؤثر جوهري في مجال الامن الدولي، وبذلك صارت قضية مركزية للعالم، وان جرى اختلاف حولها، فهو على سبل الحل والياته واسقفه وليس على ضرورته.
كل ذلك حدث فعلاً، وأشعر الفلسطينيين وبصورة منطقية، بأنهم صاروا على بعد أشبار من تحقيق أهدافهم، حتى كان يقال أقلها دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت في 1967.

أين كل هذا الآن؟
في مرحلة تسمى نهايات عكس البدايات، ذلك لو قرأنا التاريخ لوجدنا أن مثله حدث مع كثيرٍ من الشعوب ومشاريع الدول وحتى الدول العظمى، إلا أن الذي يحير المراقب للأحداث والراصد للبدايات والمآلات، يشعر بحيرة حيال ظاهرة تُمَيِّزُ الحياة السياسية للفلسطينيين في هذه المرحلة بالذات، وكأن من يناط بهم مواجهة هذه الظواهر السلبية بل والقاتلة غائبون تماماً عن الوعي، أو في غيبوبة متمادية تجعلهم لا يحسون بما يدور حولهم، فلا حركة ولو محدودة تشي بأن هنالك من يشعر بالمأزق ويفكر بكيفية الحد من أخطاره إن لم يكن تجاوزها.

كل الذي تحدثنا عنه بعيداً تماماً عن نظرية المؤامرة، فكل شيء يمارس جهاراً نهاراً وبصخب مبالغ فيه، أمّا المخدرون الذين لا يشعرون حتى بوجود المأزق، فهم يرضون بأن يكونوا ضيوفاً على موائد الآخرين ويافطات على أجنداتهم، أمّا الرصيد الذي تكون على مدى عشرات السنين وبفعل عشرات أطنان الدم، فها هو يودع في في خزائن أصحاب الاجندات، وليس لفلسطين من كل ما يجري إلا صرف تذاكر السفر واجور غرف الفنادق والقاعات وكلمة تقال في المبتدأ والخبر ... "أنتم على البال".

حدث ذلك في طهران حين صفق بعض أهل فلسطين للاتهام الصريح بخيانة معظمهم لقضيتهم، وحدث ذلك في إسطنبول حين جرى تكريس قسمة جديدة بين داخل وخارج، توازي القسمة القديمة بين الضفة وغزة، وحدث ذلك والفلسطينيون يوسطون القاصي والداني من أجل لقاء مع ترامب، الذي شيّع حل الدولة الفلسطينية، وربطه بمستحيل الاتفاق حولها مع إسرائيل.

حين يوفق الله شعباً بطبقة سياسية تعرف كيف تفهم الأمور وكيف تتعامل معها، فإن النتيجة الأكيدة لذلك أن يجد الناس مخرجاً لا أن يتنقلوا بين دوامة وأخرى وهذا بكل أسف ما يحدث للفلسطينيين الآن.