المترجم السوري عبدالقادر عبداللي. (أرشيف)
المترجم السوري عبدالقادر عبداللي. (أرشيف)
الثلاثاء 7 مارس 2017 / 19:16

‎عبد القادر عبداللي المترجم الذي ترجّل باكراً

حيل عبد القادر عبد اللي في سن الستين خسارة للعلاقات الانسانية والجمالية والإبداعية التركية العربية، تلك العلاقات العابرة لمطامع السياسة التركية، ونزعة الهيمنة والحنين إلى العهد الإمبراطوري العثماني

1-
رحيل عبد القادر عبد اللي( 1957 - 2 مارس / آذار 2017 ) مترجم روائع الأدب التركي إلى العربية، يثير سؤالاً لافتاً حول هذا الرجل الوحيد الذي اشتغل مثل مؤسسة، فقد أهدى إلى العربية الفصحى 45 كتاباً ومصنفاً تمثل أهمّ ما صدر من أدب بأقلام تركية في مجال الرواية، والقصة، وكانت الانطلاقة مع الكاتب التركي الساخر عزيز نسين ( الذي يكفّره رجب طيب اردوغان ) وانتهاء بالكاتب التركي ( صاحب نوبل للآداب2006 ) أورهان باموق الذي يعتبر عبد القادر عبد اللي مترجمَهُ الرسميَّ المعتمَدَ الى العربية.

2-
ولم تكن جهود عبد اللي مقتصرة على الروايات والقصص القصيرة ، ( فضلاً عن تخصصه في الشؤون التركية وكتاباته الصحفية، وامتهانه الترجمة الفورية ) فقد لا يعرف المدمنون على التلفزيون والمسلسلات التركية أن عبد القادر عبد اللي هو الفارس الخفيّ المختبئ وراء اللسان السوري في المسلسليْن التركييْن الشهيرين "نور" و"وادي الذئاب ".

3-
لم يكن عبد القادر هو المترجم الوحيد، ففي سوريا، سبقه كثيرون ومنهم فاضل جتكر ( في ترجمة الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر التركي المعروف ناظم حكمت، وبعض الأقاصيص للكاتب التركي الساخر عزيز نسين ،
ولكن، صار اسم عبد القادر عبد اللي هو المترجم الأبرز، بل يمكن القول إنه أيقونة الترجمة العربية عن التركية .

4-
فاصل أول :
في بداية القرن العشرين، كانت اللغة الثانية عند أجيال عربية نوعاً من الترف الذي لا يستطيعه إلا الذين سافروا في بعثات تعليمية طلباً للعلم في عواصم كبرى مثل باريس ولندن وموسكو وبرلين، وكانت كتيبة أسماء كبيرة تقود مهمة التحليق بالقراء نحو آفاق رحبة عبر الترجمة. هكذا أبحر القرّاء إلى ضفاف أخرى مع طه حسين وسهيل إدريس وعايدة مطرجي إدريس ومنير بعلبكي وَعَبَد الرحمان بدوي وجورج طرابيشي ومحمد عيتاني وجبرا ابراهيم جبرا وإحسان عباس وأبوبكر يوسف، وفؤاد زكريا، وزكي نجيب محمود.

وهكذا تعرّف القارئ العربي بفضل هؤلاء المترجمين وغيرهم على تيارات الأدب الوجودي، وأدبيات علم النفس والأدب الماركسي وعيون الأدب الإنكليزي والفرنسي والروسي والألماني والإسباني كما اطلع على العلوم والآداب الانسانية والتيارات الفكرية الحديثة.

6-
فاصل ثانٍ:
ولعل أبرز المترجمين الذين اعتنوا بالأدب العظيم هو سامي الدروبي الذي نهض بترجمة رائدة لأعمال الروسي فيودور دوستويفسكي ( عن الفرنسية ) و بعده، رغب في ترجمة تولستوي، ومات الدروبي، وفي نفسه شيء من الأدب الروسي، فترك تولستوي لغيره، دون أن يستكمل ترجمته.
كما مات عبد القادر عبد اللي وفي نفسه شيء من الأدب التركي وهو يرنو إلى ما سوف يخطه قلم أورهان باموق.
 
7-
فاصل ثالث :
هناك أيقونة أخرى حية، ولكن في الطرف الإسباني، والتحية هنا واجبة لجهدها الموصول، فما انفك المترجم الفذ صالح علماني يعمل لغاية اليوم بعد أن نهض بترجمة الأدب الإسباني والأمريكي اللاتيني المكتوب بالإسبانية، ونقل إلى العربية الفصحى عدداً من الكتب جاوزت الثمانين عنواناً من الأعمال الادبية شعراً، ورواية، وبحوثاً وقصة قصيرة،
وبواسطة رجل في حجم صالح علماني استمتع القارئ العربي بترجمات غابريال غارسيا ماركيز، ونشيد بابلو نيرودا الشامل، وروايات إيزابيل اللندي، وماريو فارغاس يوسا وغير هؤلاء من الروائيين الذين لا يقلون نضارة وجمالاً.

8-
إن من ذكرت من الرجال خاصة، والنساء ( وما أقلهنّ ) الذين نهضوا بالترجمة قد قاموا بها من تلقاء أنفسهم، فلا أحد كلفهم بهذا العبء، ولا أحد اعتنى بهم، أو بأجورهم في أغلب الأحوال، وهم، مع هذا، من أهل النضال، يقاومون الجهل ويطعمون الناس من القرّاء الفقراء إلى لذيذ أطباق القراءة والقطائف واللطائف. وكم يشبه المترجم الطباخ الذي ذاق طعاماً لذيذاً ، فأراد أن يطعمه للآخرين من بني لسانه، ولا مطبخ له غير الترجمة.

9-
ويبقى رحيل عبد القادر عبد اللي في سن الستين خسارة للعلاقات الانسانية والجمالية والإبداعية التركية العربية، تلك العلاقات العابرة لمطامع السياسة التركية، ونزعة الهيمنة والحنين إلى العهد الإمبراطوري العثماني. لقد احترف عبد اللي الترجمة، وعشق العلاقة بين اللغتين التركية والعربية، ومات الرجل بأنياب السرطان، خارج وطنه الأم سوريا، ليدفن في أرض لغة الترجمة، في أضنة التركية، وفي قلبه أشياء كثيرة، وكان في دفتره مشاريع تنتظر الإنجاز، ولكن عبد القادر رجل - مؤسسة تنتهي بغيابه.
كان يقول قبل شهر من وفاته: "إن المترجم يستيقظ باكراً" لعله أراد أن يقول أن الترجمة واجبٌ لا ينتظر النائمين.