مارين لوين وآلان جوبيه وفرنسوا فيون.(أرشيف)
مارين لوين وآلان جوبيه وفرنسوا فيون.(أرشيف)
الأربعاء 8 مارس 2017 / 19:35

الخوف من فرنسا

ل تعمل فضائحيّة السياسيّين وأنانيّتهم وصراعاتهم الصغرى على تسهيل العبور أمام مارين لوبن

ورطة فرانسوا فيّون، والورطة به، تتحوّلان إلى فضيحة. مرشّح يمين الوسط الجمهوريّ للرئاسة (الديغوليّين) سبق أن قال إنّ إخضاعه إلى التحقيق يدفعه إلى الانسحاب من المعركة. القضاء طاله، لكنّه لم ينسحب. بعض أركانه انفضّوا عنه وعن حملته، بمن فيهم الناطق بلسانه. لكنّه لم يتراجع، داعياً، في المقابل، مناصريه إلى التظاهر تضامناً معه. المظاهرة حصلت بالفعل، فقدّرها فيّون بمئتي ألف، فيما قدّرها البوليس والإعلام بخمسين ألفاً.

حزب فيّون تخوّف من خوض المعركة بحصان خاسر، خصوصاً وأنّ استقصاءات الرأي العامّ تقول كلّها إنّ شعبيّة الرجل تتراجع بإيقاع يوميّ. هذا لم يُثن فيّون الذي يدفعه طموحه إلى الذهاب حتّى النهاية. الحزب، مكرهاً لا بطلاً، توافق على تأييده، إذ الوقت المتبقّي قصير فيما البدلاء غير متوافرين.

التعويل على ألان جوبيه لم ينفع. فرئيس الحكومة السابق الذي هزمه فيّون في التنافس على الترشّح الحزبيّ، لديه اعتراضان وجيهان: الأوّل المعلن، أنّ الوقت المتبقّي لم يعد يكفي لكي يخوض حملة انتخابيّة "توحّد عائلته السياسيّة". أمّا الثاني الضمنيّ فمؤدّاه أنّه ليس مرشّح "الخطّة ب"، أي أنّه أكبر من أن يؤتى به كبديل عن فيّون حين تذوي حظوظ الأخير.

موافقة جوبيه لو حصلت كانت لتغيّر الوجهة: فهو السياسيّ المحترم نسبيّاً الذي يرشّحه كثيرون لأن يعيد الاعتبار إلى الدولة كجهاز تحكيميّ متعالٍ، كما يعيد الاعتبار إلى الليبراليّة من دون النيو ليبراليّة وفسادها، وإلى الوطنيّة الفرنسيّة من دون الشوفينيّة ورُهاب الإسلام.

طبعاً، هناك دائماً الفارس الثالث الجاهز على الدوام: إنّه رئيس الجمهوريّة السابق نيكولا ساركوزي. لكنّ ساركوزي الذي حصد فشلاً ذريعاً في التنافس على الترشّح، لا يملك أيّ رصيد يحمل الآخرين على مبايعته. ذاك أنّ اسمه اقترن بالفساد والمحسوبية والسخافة ومظاهر البذخ، فضلاً عن الفشل السياسيّ الذي انتهى قبل خمس سنوات إلى وصول خصمه الاشتراكيّ فرانسوا هولاند إلى رئاسة الجمهوريّة.

بعض المراقبين عوّلوا على قمّة تجمع الثلاثة، فيّون وجوبيه وساركوزي، علّهم يتوصّلون إلى مرشّح تسوويّ يتّفقون عليه. لكنّ احتمالاً كهذا كان يفترض وجود المرشّح العتيد كما يفترض موافقة فيّون على الانسحاب، وهذا فضلاً عن أنّ الوقت يغدو أضيق فأضيق.

إذاً نحن مجدّداً أمام فيّون وأمام أربعة آخرين: اثنين أساسيّين هما زعيمة "الجبهة الوطنيّة" العنصريّة مارين لوبن، والسياسيّ الوسطيّ والشابّ إيمانويل ماكرون. الأولى قد تحصد أعلى الأصوات في الدورة الأولى لتواجه في الدورة الثانية ماكرون أو فيّون. أمّا الاثنان الأقلّ أساسيّة فسيكونان مرشّحي اليسار: أحدهما، بنوا آمون، عن الحزب الاشتراكيّ، والثاني جان لوك ميلونشون عن "حزب اليسار"، أي أقصى اليسار، الذي أسّسه في 2008.

المشكلة في هذا كلّه أنّ الطبقة السياسيّة مرفوضة جدّاً: ساركوزي انهزم بعد دورة رئاسيّة ثانية. هولاند، لأوّل مرّة في تاريخ فرنسا الجمهوريّة، لم يترشّح للمرّة الثانية لمعرفته بتدنّي شعبيّته. فيّون، الذي وُصف في البداية برجل الأخلاق الكاثوليكيّة والريفيّة، يصارع "بنيلوب غيت". ماكرون يصعد نجمه لأنّه بالضبط ضعيف الصلة بالطبقة السياسيّة وبأيّ من أحزاب فرنسا الأساسيّة والتاريخيّة. حتّى آلان جوبيه، المسلّم بتفوّقه الأخلاقيّ والسياسيّ، سبق أن تورّط في 2004 بإساءة استخدام المال العامّ لمصلحة حزبه.

في هذا المناخ يصبح السؤال المقلق: هل تعمل فضائحيّة السياسيّين وأنانيّتهم وصراعاتهم الصغرى على تسهيل العبور أمام مارين لوبن، وعلى غضّ النظر عن فضائحها هي الأخرى؟ هنا الكارثة.