محمد بن زايد في "مجالس أجيال المستقبل".(أرشيف)
محمد بن زايد في "مجالس أجيال المستقبل".(أرشيف)
الجمعة 10 مارس 2017 / 19:30

مجالس محمد بن زايد.. سر الإمارات العلني

مرحلة انتهاء البترول، ترعب الجميع، ولكنها في الإمارات، مرحلة الطيران والتحليق، ليس لأن الأماني عريضة ولا لأن الأحلام متسعة، ولكن لأن القيادة مدركة للتحدي

في مكانٍ مميز تختلط فيه الأصالة بالحضارة، تحتوي ذاكرته على جينات كاملة لانتصارات خالدة، ومواقف بطولية، اختار بطل الزمان مكان كلماته بحكمة، وحقق ثالوث البلاغة، بلاغة الكلام المنطوق المتخيّر، واتقان الزمان المعيّن، ورمزية المكان، وأنتمّ كل هذا بأن كانت الدرر التي تنثر، تنثر عند أهلها، وعند من يستحقها.

طالع الجميع اللوحة البديعة التي رسمها محمد بن زايد خلال مخاطبته لمجالس أجيال المستقبل، واعتنى كل الناس بمضمون الكلمة الحكيمة التي فاضت المعاني فيها، ومثلهم جميعًا اعتنيت بها، ولكنّي تعلمت منه أن أنظر إلى الصورة الكلية، لأفهم ما هو أبعد من حدود الكلمات وعبرة المعاني، إلى الوصول لجماع النظر، فكيف نقرأ كلمته الحكيمة.

كانت الكلمة بقامة وطن، والرسالة الملهمة عن شد الحزام والراية، واللقاء جوابه الكامل كان في عيون الحاضرين، وفي رسالة الأمل المقبلة، والرؤية المبصرة لقائد لا يريد أن يتعود أحد على النظر عند قدميه، بل أن ينظر بعيدًا، ويحوّل ناظريه لمكان أبعد، وكأنه يتمثل قول الشاعر العربي القديم في معلقته "أصاح أريك برقًا وميضه"، فكان الشيخ الحكيم يرى الحضور وميض برق، وفي الحقيقة هو يؤهلهم لرؤيته، فكانت الثلاثية، الكلام والزمان والرجال. فقد قال لجيل المهنيين والقادة، أنكم اليوم تتسلحون بالعلم والمعرفة لتصلوا إلى القيادة، قيادة ماذا؟ قيادة الدولة التي لا تكابر، لا تظنّ أن التاريخ يتجمّد ولا تؤمن بأن الأمجاد تتحنّط بل تدرك أن كل شيء يتحرك ومن لا يستعجل ويركض في طريق ومضمار التقدم، سيجد نفسه في الزاوية الأخيرة.

بدأ الرجل العظيم القصة من الماضي كان يحيطه الجوع وقلة الأمن، وقلة المعرفة، صحيح أن التحديات كانت كبيرة، ولكنّها كانت محدودة، ولكنها خرّجت جيلاً مجيداً يستطيع أن يقدّم للناس تربية صالحة، ويخلق ثراءً معقولاً، واليوم نحن في ذروة النجاح، بإمكاننا أن نستجيب لحركة التاريخ ونمارس الخمول الطبيعي، والاستسلام لنعيم المجد، ولكن ثلاثة محاور أساسية صنعت الاختلاف "الحجم الصغير للمناورة، والعلم، والقيادة الواعية برؤيتها الواضحة"، هي وحدها المعادلة التي تجعل من الأشياء مختلفة ومن الرؤية جديرة بالتفاؤل.

مرحلة انتهاء البترول، ترعب الجميع، ولكنها في الإمارات، مرحلة الطيران والتحليق، ليس لأن الأماني عريضة ولا لأن الأحلام متسعة، ولكن لأن القيادة مدركة للتحدي، وتضع الخطط، وتقيسها بالأرقام والأرقام فقط، ولأنها تحدد الأهداف بوضوح لا مثيل له، فهي تدرك أنها تحتاج أن تنافس فئة دون فئة وجهة دون جهة، وتسخر كل ذلك بذكاء لصناعة ومضات المستقبل.

إن القيادة التي ظهرت بالأمس، جمعت للناس محاسن القيادات، اللغة الواثقة، والرؤية المتناغمة، فكم هو جميل استحضار سيدي الشيخ محمد بن زايد لكتاب سمو الشيخ محمد بن راشد، ورؤيته، ذلك يعكس التعاضد الحقيقي والقيادة المتناغمة، وكم هو جميل إحساس الوفاء للتاريخ ونبرة الانتماء له، وكم هو مذهل إحساس الاعتداد بأمهات هذا الجيل، والفخر بامرأة الإمارات، إنها الرؤية بعين البصيرة والاحساس بعفو الخاطر.
هذا كرنفال من الحكمة، ونسيج من النور، ولا أدل على الخير إلا كلماته المبروكة، وعطاء البركة لا ينضب، وفخره "بالبركة"، وسلامه على الأهل، لا ينفصل عن حديثه عن التكنولوجيا والهندسة والموهبة والاحتراف، هذا المعين الذي لا تنضب حكمته وهذا الإناء الذي يسقي كل عطشان.

الإمارات، كطاقة إيجابية، هي فلسفة ضاربة في نسيج الرؤية العظيمة لمحمد بن زايد، حينما نفهم أنّ علينا أن نرسل رسالة إيجابية للعالم، لا نيابة عن الإمارات فحسب بل عن الشرق الأوسط نحن نعيد الأمل، بأن هذه المنطقة قادرة، على تبديل ثياب الإرهاب والتعصب والتطرف والكراهية والتخلف، وارتداء حلة السلام والتسامح والاعتدال والمحبة والتطور.

ما حدث في مجالس محمد بن زايد للمستقبل، هو رسالة إيجابية، وهو ما يدفعنا للإيمان، بأن حصة بنت محمد بن زايد، حينما تقف بعد خمسين عاماً في مجالس محمد بن زايد للمستقبل، ستشعر بفخر كبير، تقاسمه والدها، الذي رسم لنا المستقبل، ولأحفادنا، حفظه الله وأمد في عمره، ليرى حصاد هذا الزرع "المبارك".

إن هذا المجلس، هو سر النجاح الذي يجب أن نحفظه عن ظهر قلب، ونورّثه للأجيال. ونختمه بالدعاء لهذا الرجل العظيم، العظيم حقًا وحقيقة.