بندقيتان من طراز  AK47 (أرشيف)
بندقيتان من طراز AK47 (أرشيف)
الجمعة 10 مارس 2017 / 19:35

سيئون بالفطرة

قبل أن تصرخ طلباً لمساعدةٍ لا مبرر لها إلا في مخيلتك، أو تعاجل الآخر "السيئ بفطرته" بضربةٍ استباقيةٍ على الرأس، امنحه فرصةً ليُظهر معدنه الحقيقي

دخلت بقالةً صغيرةً بإحدى المدن الأوروبية، فلم أعانِ لأعدّ أوجه التشابه العشرة بيني وبين زبونها الوحيد. عرفت هذا المهاجر، بسحنته، بلكنته، بحركات يده، وحددت البلد التي فرّ منه، بل والأسباب التي دعته للمخاطرة بحياته. كان يساوم على أسعار السجائر فيما يبدو أنه كان تعبيراً لا واعياً عن الحنين إلى وطنه البعيد. وقفت منتظرةً أن يدرك بأن البائع المغلوب على أمره لا يضع الأسعار على العلب، وليس مسؤولاً عن تسببها بأمراض القلب والسرطان. إلا أنه انفجر صارخاً بوجه البائع، "ما اسمك؟"

شُلّت أطرافي خوفاً. إن المهاجر وليد أرضٍ يتخاطب أهلها بطلقات الـ "AK47"، ويكتبون فيها أبجديتهم بنصل السيف والخنجر. إنهم يتلذذون بالعنف كما يتلذذ المرء منا بالرشفة الأولى من قهوته، ولا أظن كفه قد تخجل من السرقة والتخريب.

أشار البائع بهدوءٍ إلى رقعة الاسم على صدره. وددت أن أحذره من أن ذلك هو بالضبط الموضع الذي ستُغرس فيه السكين التي ستقتله، ولكني كنت قد فقدت القدرة على الكلام أيضاً.

"حسناً"، هزّ المهاجر سبابته مهدداً، "سأكتب إيميلاً إلى مرؤوسك"، وخرج غاضباً متجهماً.

أقسم بأن ذلك كل ما حدث!

هذا ليس مقالاً ملائكياً يدعوك لنبذ كل الصور النمطية عن البشر باختلاف أعراقهم وأصولهم وأديانهم، فذلك هدفٌ غير واقعيٍ في عالمٍ معتلٍ لا يمانع الكثير من أهله في وصف الناس بالعبيد. إلا أنها دعوةٌ إلى أن نتعلم القليل من الجينات التي تسكن أجسادنا.

لا أعفيك من المسؤولية، ولكن وجود هذه الصور النمطية في وجدانك هو نتيجة ظروفٍ جائرةٍ أقوى منك. هي جريرة أجيالٍ طويلةٍ من التزاوج بين التمييز والزينوفوبيا وقولبة الآخرين، حتى تلك الصور النمطية الجميلة في ظاهرها، والتي تقرر بأن عرقاً ما يتميز بالطيبة، أو يبرع في عمله.

ولكن كما أن بعض جيناتك تظل "خاملةً" في التعبير عن وظائفها حتى تتهيأ لها البيئة الخارجية المناسبة، ربما عليك أن "تعطّل"–ولو مبدئياً فقط- عادتك في اتخاذ المواقف وبناء العلاقات ورسم الحدود وفقاً لهذه الصور النمطية طالما أنك لم ترَ بعد ما يؤكدها، ويرغمك على التفاعل مع الآخر وفقاً لها بشكلٍ تلقائيٍ فوري. إذا وجدت تطابقاً بين هذه الصور المحفوظة في ذهنك وبين الواقع، فبإمكانك حينها أن تقنع نفسك بأن فلاناً لم يدعوك للعشاء لأنه فعلاً من قبيلةٍ تتوارث البخل، أو بأن فلاناً قام بحادث سيرٍ لأنه حقاً من جنسيةٍ تُعد أسوأ سائقي الكوكب.

أمري لله، فلن تكون أوهامك الغبية أسوأ ما يقاسونه، على أية حال.
ولكن قبل أن تصرخ طلباً لمساعدةٍ لا مبرر لها إلا في مخيلتك، أو تعاجل الآخر "السيئ بفطرته" بضربةٍ استباقيةٍ على الرأس، امنحه فرصةً ليُظهر معدنه الحقيقي، فقد يثبت لك بأنه أكثر تحضراً ورُقياً ممن لا يساوم على سعر "مارلبورو أحمر".