ترامب(أرشيف)
ترامب(أرشيف)
السبت 11 مارس 2017 / 20:01

ما قبل المكالمة وما بعدها

احتفلت الطبقة السياسية الفلسطينية بالمكالمة الأولى التي جرت بين الرئيس ترامب والرئيس محمود عباس، وزاد الاحتفال حرارة تلقي الأخير دعوة لزيارة البيت الأبيض والاجتماع بسيده قريباً.

تصريحات الناطقين الفلسطينيين الاحتفالية، تنم عن أنهم أنجزوا أمراً بالغ الأهمية، وهو تأكيد اعتراف الإدارة الأمريكية الجديدة بشرعية الرئيس محمود عباس، وهذا الأمر لا يستحق احتفالاً فهو تحصيل حاصل، فإدارة ترمب التي وفرت استقبالاً زاهراً لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وأعلنت أنها بصدد العمل على ملف التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، لن تقدم على خطوة سحب الشرعية من رئيس الفلسطينيين والذهاب إلى فراغ مدمر حين تعمل أمريكا مع نتانياهو فقط.

لقد خاف الفلسطينيون من ترامب ومن تصريحاته غير الاحترافية، وزاد خوفهم حين بالغت إسرائيل في تصوير ترامب وكأنه حليف بنيت وليبرمان ونتانياهو، ولن يعمل غير ما يأمرون به حتى لو كان مخالفاً لأبسط القواعد والأخلاقيات السياسية.

كان ترامب قد استبق مكالمته الأولى بتصريح يفترض أن يثير الحذر عند الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، فقد دعا الطرفين إلى الإقدام على تنازلات مؤلمة لتحقيق السلام، ومع أن هذه الجملة تقال عادة على ألسنة الناطقين الأمريكيين في مختلف العهود والإدارات، إلا أنها من فم ترامب تحمل مدلولاً آخر، فالرجل أعطى مؤشرات عن استعداده لتغيير قواعد اللعبة إذ تحدث بصراحة عن تفضيله حل الدولتين، وكلمة تفضيل تختلف كثيراً عن الالتزام، كما قال عبارة أحبها الإسرائيليون واحتفلوا بها هي أن الولايات المتحدة ستدعم أي حل يتفق عليه الطرفان، وهذا نوع من حياد أمريكي سعت إسرائيل إليه منذ بدء العملية السياسية مع الفلسطينيين، ودائماً ما تطالب الإدارات الأمريكية بالإقلاع عن طرح المبادرات والتقليل من التدخلات، ذلك أن الاستفراد بالفلسطينيين هو هدف مركزي لكل الحكومات الإسرائيلية سواء قادها حزب العمل المسمى بالحمائمي أو قادها الليكود الصقري.

يحتاج الفلسطينيون في هذه الفترة بعد أن هدّأت المكالمة مخاوفهم وأعيد فتح باب البيت الأبيض أمام رئيسهم إلى التدقيق فيما بعد ذلك، فهم بحاجة ماسة لمعرفة المقصود بالتنازلات المؤلمة المتبادلة، كما هم بحاجة إلى معرفة درجة التأثر الإسرائيلي بالسياسة الأمريكية التي بشرت بها الإدارة الجديدة، وهل سيستجيبون تماماً لما يقترحه الأمريكيون أم أنهم سيمارسون نفوذهم للإفلات من الالتزامات والمضي قدماً في تحييد الإدارة وإجهاض مساعيها لو كانت مخلصة حقاً.

الفلسطينيون في وضع داخلي لا يحسدون عليه، وفي وضع تحالفي غامض مع العرب والإقليم، وجزء مهم يعاني بين سندان القلة والحرمان في غزة، ومطرقة التهديدات والإغراءات الإسرائيلية، وهذا الوضع الذي أقل وصف له هو الصعب، سيكون عاملاً مؤثراً ليس في صياغة الاقتراحات والمبادرات فقط وإنما بصدقية تنفيذها.

قد يستفيد الفلسطينيون من المكالمة والزيارة وهم على أبواب القمة العربية، وقد يجدون عزاءً في موقف امريكي يتعامل مع شرعيتهم ولو ببرود، وإذا ما افترضنا أن المرحلة القادمة ستكون حافلة بالعمل السري والعلني وستكون تسويات الشرق الأوسط هي عنوانها ومضمونها، فلا مناص أمام الفلسطينيين من دخول هذه المرحلة بواقع جديد ولغة جديدة وتحالفات موثوقة، وفي كل هذا يظل المبتدأ والمفتاح هو الوضع الداخلي الذي ما يزال على حاله إن لم نقل أنه يزداد تدهوراً.

أخيراً. يبدو لي أنالاحتفاء الفلسطيني بالمكالمة والدعوة، هو اقتناع من جانب الطبقة السياسية بالبدء من الحد الأدنى في العلاقة مع الأمريكيين، وهذا لا يكفي لاقتحام المرحلة القادمة بكل تعقيداتها وتناقضاتها واستحالاتها.