عرض عسكري ترفع فيه أعلام حزب الله وإيران.(أرشيف)
عرض عسكري ترفع فيه أعلام حزب الله وإيران.(أرشيف)
الأربعاء 15 مارس 2017 / 19:58

إيران وأكلاف توسّعها الإمبراطوريّ

لحظ تصميم إيرانيّ واضح على اقتطاع موقع في سوريّا الجديدة، يحرسه الحضور المباشر، بما فيه من بناء قواعد بحريّة وجوّية، مصحوباً بحضور حزب الله اللبنانيّ

حين يطرأ عنصر جديد على وضع قائم، فهذا ما يتأدّى عنه اختلاط أوراق قد يتّحذ شكلاً سلميّاً، لكنّه أيضاً قد يتّخذ شكلاً حربيّاً وعنيفاً. فجميع القوى المعنيّة تكون، والحال هذه، مهتمّة بالإفادة من هذا الطارئ الجديد: إمّا ملئاً لفراغ أحدثه التحوّل، أو توسيعاً لرقعة نفوذ قائمة أصلاً، أو تخلّصاً من عدوّ أو خصم باتت تتوافر أسباب أكبر للتخلّص منه. وفي الحالات كافّة، يغدو مطلوباً أن تنعكس نتائج هذا التدخّل على لوحة الأوضاع الناشئة، وأن تتكرّس فيها كجزء من واقع مسلّم به.

الآن قد يكون من المبكر الحديث عن استقرار الوضع السوريّ على صورة نهائيّة ما. هذا ما تشير إليه الإخفاقات والنتائج الهزيلة التي تتمخّض عن المفاوضات أكانت في جنيف أو الآستانة. إلاّ أنّ الوجهة العامّة توحي بأنّ المسألة باتت مسألة وقت، وهو وقت يرتبط إلى حدّ بعيد بالسياسات والخيارات التي قد تستقرّ (أو لا تستقرّ) عليها إدارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب.
في هذا المعنى يُلحظ تصميم إيرانيّ واضح على اقتطاع موقع في سوريّا الجديدة، يحرسه الحضور المباشر، بما فيه من بناء قواعد بحريّة وجوّية، مصحوباً بحضور حزب الله اللبنانيّ.

وطموح كهذا يمكن تسويقه إيرانيّاً على أكثر من وجه: فهناك، أوّلاً، طلب المكافأة على جهد مبذول في دعم النظام القائم وبقائه، وهو النظام الذي يبدو أنّ الصيغة الجديدة المحتملة لسوريّا لن تطويه، وإن كانت ستتكيّف معه وتحاول تكييفه معها. والحال أنّ الأكلاف التي دفعتها إيران والميليشيات الشيعيّة التابعة لها، اللبنانيّة أساساً ولكنْ أيضاً العراقيّة، كان لها الدور الأبرز في إنقاذ بشّار الأسد وسلطته. وهناك، ثانياً، الضمانة التي سيقول الإيرانيّون وأتباعهم إنّهم سيكونون بحاجة إليها في وجه التحدّيات والمخاطر و"المؤامرات الشيطانيّة" من كلّ صنف ونوع.
إلاّ أنّ ما لن يقرّ به الإيرانيّون وأتباعهم هو الأهمّ: توسيع النفوذ الإمبراطوريّ وتعزيزه عبر طريق برّيّ يصل طهران ببيروت عبر بغداد وعمّان ودمشق، أي جعل منطقة المشرق العربيّ فناء خلفيّاً لإيران التي بات انكفاؤها على جغرافيّتها يهدّد بانحسار نظامها، وربّما في وقت لاحق سقوطه.

وغنيّ عن القول إنّ خطّة كهذه ستصطدم بأعداء كثيرين، ولو صدرت عداوتهم لها عن مواقع مختلفة ومتضاربة. ففضلاً عن الأكثريّة المعتبرة من سكّان هذه المنطقة، والتي ستراها أقرب إلى العمل الاستعماريّ، ستعارضها بحدّة البلدان العربيّة وتركيّا وإسرائيل والولايات المتّحدة الأمريكيّة وأوروبا الغربيّة. وإلى هذه المعارضة لا بدّ أن تنجذب مصر إقليميّاً وروسيا دوليّاً، لأنّ المفاضلة بين العالم بأسره وبين إيران لن تكون بالطبع في صالح الثانية.

وهذا ما يوفّر أساساً صالحاً لتشبيه ما يجري اليوم بما حصل في كوبا مطالع الستينات: ذاك أنّ انتصار الثورة الكاسترويّة في 1959 أنتج وضعاً أتاح لحليفها الاتّحاد السوفياتيّ نقل صواريخه إلى الجزيرة الكاريبيّة التي تكاد تلاصق الولايات المتّحدة. وهنا، وكما هو معروف، نشأ ما عُرف بـ "أزمة الصواريخ" التي وضعت العالم وجهاً لوجه أمام احتمال الخطر النوويّ. وفي النهاية رضخ الزعيم السوفياتيّ يومذاك، نيكيتا خروتشوف، وسحب صواريخه، مقابل تنازل قدّمه الأميركيّون في تركيّا يقلّ كثيراً عن التنازل الروسيّ.

وأغلب الظنّ أنّ ضغطاً كثيفاً سينصبّ على رأس إيران كي تسحب نفوذها مثلما سحب خروتشوف صواريخه. ويُرجّح، في هذه الغضون، أن نشهد الكثير من الشدّ والجذب الخطيرين. لكنّ الشيء الوحيد المؤكّد هو أنّ أسوأ الخيارات سيكون تمسّك إيران بخطّتها، لأنّ موقفاً كهذا قد يهدّدنا، في المشرق العربيّ، باحتمالات كئيبة ومؤلمة جدّاً تنجم عن رغبة النظام الإيرانيّ في التوسّع الإمبراطوريّ وعدم الانكفاء على حدوده الوطنيّة. ذاك أنّه يعرف أنّ انكفاء كهذا قد يكون بداية نهايته.