الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.(أرشيف)
الخميس 16 مارس 2017 / 20:04

ترامب الجديد القديم

حتى خطوة إرسال قوات أمريكية إلى مدينة منبج السورية لفصل الاشتباك بين قوات أردوغان وبين الأكراد، قد لا تُحسب خطوةً خالصةً لإدارة ترامب

في مقابلة مع مستشار البنتاغون اللواء بول فاليلي، تحدث عن ضرورة لقاء بين بوتين وترامب على غرار لقاء غورباتشوف وريغان التاريخي في الثمانينيات. الاقتراح استدعى سؤالاً افتراضياً ساخراً وهو، مَنْ سيكون في اللقاء الحديث غورباتشوف، ومَنْ سيكون ريغان؟ بالطبع السؤال لم يُطرح على اللواء بول فاليلي، ولو طُرح عليه لما استطاع الإجابة. كان وصول غورباتشوف للسلطة سابقاً، هو الاختراق الأمريكي الكبير للقضاء على الاتحاد السوفييتي. والأمريكيون ينظرون الآن إلى الرئيس ترامب، على أنه اختراق روسي للولايات المتحدة. كيف سيقنع ترامب الأمريكيين أنه سيكون في وضع ريغان القوي، وليس في وضع غورباتشوف الضعيف؟ كابوس هذا اللقاء المُحْتَمَل يؤرق ترامب أكثر من الأمريكيين. ربما مستشار البنتاغون اللواء بول فاليلي أكثر خبثاً، ويقترح اللقاء كنوع من توريط الرئيس الجديد دونالد ترامب، لكن أيضاً تسويف اللقاء وتأجيله، قد يؤدي إلى نفس النتيجة وهي، خوف ترامب من أن يكون غورباتشوف في هذا اللقاء.

اتهم ترامب الرئيس السابق باراك أوباما أنه كان ضعيفاً ومتردداً مع بوتين بحيث سمح له باختطاف شبه جزيرة القرم. كأن ترامب يقفز إلى الأمام لينفي عن نفسه الولاء أو اللين لبوتين. كانت التهمة التي شُهِرتْ في وجه كينيدي هي ليونته مع الروس، وكانت كفيلة باغتياله. انشغال ترامب بالرئيس السابق للولايات المتحدة علامة ضعف، وكأنه لم يتسلَّم الحكم بعد أو لم يجد بعد ما يفعله. طلب ترامب في تغريدة من مؤيديه النزول إلى الشارع. من ضمن التعليقات على التغريدة، ومن أحد المؤيدين إننا انتخبناك مرة، لكننا لن نثبت هذا الانتخاب مراراً وتكراراً طوال السنوات الأربع المقبلة. الاستجابة كانت محدودة. بضع مئات في ولايات متفرقة، ونزل أمامهم بضع مئات من الأنتي ترامبيين. وحدثتْ اشتباكات. أنياب الديمقراطية. الإصابات كانت أكثر لمؤيدي ترامب.

عزل ترامب 46 مدعياً عاماً فيدرالياً من وزارة العدل عيّنهم سلفه الديمقراطي باراك أوباما. في العادة الرئيس الجديد يقوم بعزل تعينات قديمة تدريجياً وليس دفعة واحدة. ترامب يسابق الزمن. ما زالتْ وعوده الانتخابية صعبة التحقيق. والطعونات على قرار الهجرة الجديد تتوالى بعد وقف قراره السابق من محكمة سياتل الجزئية الشهر الماضي. وما زال الممثل أليك بالدوين يقدم اسكتشاته الساخرة من ترامب برعاية هوليوود. والمخرج مايكل مور يضع عشر خطوات للتخلص من ترامب، وهي تشبه طريقة التفكير الأمريكي في، عشر خطوات للتخلص من السمنة، عشر خطوات لطلاق التدخين، عشر خطوات كي تصبح مليونيراً، عشر خطوات لتصبح يسارياً ليبرالياً، عشرة أطعمة تصل بك إلى عمر الملكة إليزابيث، عشر عمليات تجميل لتشبه معاً إليسا وصديقها وديع النجار.

حتى خطوة إرسال قوات أمريكية إلى مدينة منبج السورية لفصل الاشتباك بين قوات أردوغان وبين الأكراد، قد لا تُحسب خطوةً خالصةً لإدارة ترامب، الأدق أنها خطوة بالقصور الذاتي لإدارة أوباما السابقة في منطقة الشرق الأوسط. تقوم السياسة العسكرية الأمريكية بعيداً عن إدارة أوباما أو ترامب، ومنذ الحرب الباردة، على تكثير الأعداء والأطراف المتنازعة، وتعقيد الحروب، وتدوير خرابها، وخلق سوق تجاري ومعنوي لها، ومد زمنها إلى ما لا نهاية. فعندما يتعهد دونالد ترامب بزيادة ميزانية البنتاجون بمقدار 54 مليار دولار، فلا يبدو أن هناك تغييراً في السياسات. التغيير في السياسات الأمريكية لا بد أن يُصاحبه ضعف ما في تنفيذ تلك السياسات نفسها، وبهذا المعنى تنحاز إدارة ترامب إلى الأكراد أكثر قليلاً من إدارة أوباما، وقد يدعم هذا الانحياز جنون العظمة الذي أصاب أردوغان في معركة الاستفتاء المفتعلة مع أوروبا، والتي وقفتْ أمريكا منها موقفاً بارداً، وكأنها معركة لا تعنيها في شيء.