قيادات من حماس في موكب شعبي بغزة.(أرشيف)
قيادات من حماس في موكب شعبي بغزة.(أرشيف)
الخميس 16 مارس 2017 / 19:45

دولة غزة

تتدرب "حماس" بدأب منذ استولت على الحكم في قطاع غزة صيف 2007، على تطوير حضورها الموازي لمؤسسات السلطة الى"انقلاب" عسكري، ثم تطوير "الانقلاب" الذي أطلقت عليه "الحسم العسكري" الى "انقسام" طويل الأمد

كان ملفتاً اعلان "حماس" الأسبوع الماضي عن نيتها تعيين "تشكيلة جديدة لإدارة غزة"، الاعلان جاء عبر تصريح للناطق باسم الحركة "حازم قاسم" وهو، الناطق، جزء من تجديد وجوه المتحدثين باسمها، في مطلع أغسطس (آب) الماضي 2016، بعد ان استنفذ الناطقون السابقون وبات من الصعب اعادة تدوير سامي ابو زهري، على سبيل المثال، من جديد.

الاعلان الذي جاء مباشرة بعد انتخاب قيادة جديدة للحركة في القطاع، تضمن الاشارة الى أن المجلس التشريعي في غزة/ المقصود هنا هو كتلة حماس، سيجتمع ليضع لوائح وتشريعات جديدة تنظم الحياة في القطاع، موضحا أن التشريعات والتشكيلة جاءت لتلافي "الخلل الناتج عن غياب حكومة الوفاق في القطاع"/ المقصود بحكومة الوفاق هو حكومة رامي الحمدالله التي منعت عملياً من ممارسة دورها وصلاحياتها من قبل حماس.

"التشكيلة الجديدة لإدارة غزة"، حسب تسريبات وصلت الصحافة ستضم عشر حقائب وزارية، مجلس وزراء مصغر يتلقى تعليماته من كتلة حماس في المجلس التشريعي المنتهية ولايته منذ سنوات.
هكذا نحصل دفعة واحدة على ناطقين جدد لخطاب قديم، ولوائح تشريع جديدة يفرضها ممثلون فقدوا حق الولاية، وادارة جديدة أيضاً لامتصاص غضب الناس بعد تحميل الوضع المعيشي المتردي ل"حكومة الوفاق"، في محاولة جديدة لتعويم الأزمة وتأجيل الانفجار.

في مكان آخر في القطاع كان د.ابراهيم ابراش الأكاديمي والمحلل السياسي ووزير الثقافة السابق، يناقش كتابه الجديد "حول دولة غزة"، وذلك في ندوة نظمها "مركز أطلس للدراسات" حول "صناعة دولة غزة" وشارك فيها عدد من الباحثين.

للحقيقة لم تتوقف "حماس" منذ استولت على القطاع عن حكم غزة، بقيت دوائرها ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية ناشطة، وواصلت محاكمها محاسبة الناس واصدار الأحكام، بما فيها الإعدام، أقرت قوانين جديدة، وافتتحت خلال ذلك سجون جديدة ودفعت بعشرات الشباب للمعتقلات، واستمرت شرطتها في قمع احتجاجات الناس، وصادرت "أراضي الدولة" ووزعتها على اعضائها، وفرضت ضرائب على كل شيء وحرث محصّلوها أرزاق الناس القليلة ومدخراتهم، وواصلت نشاطها الديبلوماسي وبناء التحالفات الاقليمية...، كان ذلك ترجمة مبالغ في أمانتها لمقولة اسماعيل هنية رئيس وزرائها، عشية تقديم استقالته الشكلية اثر اقرار حكومة الوفاق الأولى، قال هنية : "خرجنا من الحكومة ولم نخرج من الحكم".

تتدرب "حماس" بدأب منذ استولت على الحكم في قطاع غزة صيف 2007، على تطوير حضورها الموازي لمؤسسات السلطة الى"انقلاب" عسكري، ثم تطوير "الانقلاب" الذي أطلقت عليه "الحسم العسكري" الى "انقسام" طويل الأمد، مستفيدة بشكل أساسي من ملف "المصالحة"، حيث واصلت خلال مفاوضات عبثية تماماً، وتحت غطائها، بناء مؤسسات موازية في مختلف مجالات الحياة، مؤسسات يقودها موظفون عينتهم حماس، وتحمل أسماء ومصطلحات وتتعامل بأوراق رسمية وأختام ورسوم خاصة بحكم حماس، أو فكرة الحركة عن الحكم والمنقولة بأمانة من أدبيات الإخوان المسلمين.

يمكن هنا من باب سوق الأمثلة إدراج قضايا وملفات مثل؛ ملف موظفي حماس، ملف معبر رفح، ملف "الكهرباء" ... إلى آخر هذه الملفات التي تحولت إلى محفوظات مملة يجري ترديدها بعد كل جولة "حوار"، يمكن التعامل معها كقنابل موقوتة، مهمتها تفجير أي محاولة قد تفلح في دفع عربة "المصالحة". سياسة تعويم "المصالحة" وجدت صدى لدى اتجاهات متنفذة في السلطة، التي رأت في الخلاص من غزة فرصة لإلقاء البطاطا الساخنة في حجر الإخوان المسلمين، والاحتفاظ بحكم الضفة الغربية. والاتكاء، في نفس الوقت، على صدمة الخسارة للتخلص من خصوم سياسيين بعد تحميلهم مسؤولية الهزيمة.
في "فتح" تحديداً، كان واضحاً أن "غزة" خسرت نفوذها وثقلها التاريخي في هياكل الحركة، "فتح غزة" التي تلقت الضربة كاملة في القطاع، لقد جرى إعداد الأرضية المناسبة للحملة وكانت قواعد الحركة المذهولة مهيأة تماماً لحمل الاتهامات والقبول بأكثر من كبش فداء.

الخفة التي تعاملت بها منظمة التحرير والسلطة مع مشروع جماعة الاخوان المسلمين في غزة، والتخلي المؤلم عن مسؤوليتها الوطنية تجاه شعبها وقضيتها، هيأ الحاضنة المناسبة لمشروع "دولة غزة" وساهم في تحويله إلى خطة قابلة للتحقيق.

الآن، بعد عشر سنوات مريرة من حكم حماس للقطاع، نقف أمام نضوج الفكرة على الأرض، بانتظار الظرف السياسي المناسب لطرح مشروع "الدولة في غزة"، حلم اليمين في إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية، الذي تقاطع مع حلم "الاخوان المسلمين" في بناء إمارتهم على الساحل الجنوبي لفلسطين وشمال سيناء .