السبت 18 مارس 2017 / 19:57

أحلام يقظة

شعر المقدسيون بالارتياح، نتيجة قرار المحكمة الإسرائيلية العليا بتحسين التعامل مع أهل المدينة المقدسة، ليس بوصفهم وافدين إلى القدس، بل مواطنين فيها، وسيستفيد من هذا القرار كل من فقد اقامته في القدس، نتيجة ابتعاده عنها لعدة سنوات، أو اختياره سكناً في مدينة أخرى.

غير أنّ قراراً آخر صدر في نفس التوقيت، وهو اعتبار الصندوق القومي الفلسطيني الذي هو عصب منظمة التحرير جسماً إرهابياً محظوراً، نظراً لقيامه بدفع مرتبات للمعتقلين الفلسطينيين ولذويهم فيما اعتبرته إسرائيل دعماً مباشراً للارهاب.

وفي ذات الوقت أعلن بنيامين نتانياهو عن عزمه إقامة مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، بديلاً عن مستوطنة عاموناه التي أمرت المحكمة العليا بإخلائها، لانها أقيمت عشوائياً وعلى أراض غير حكومية.

فعلى ماذا تؤشر هذه القرارات والتوجهات؟

فيما يتصل بالقدس ورغم المزايا المتواضعة التي ينطوي عليها قرار المحكمة العليا، إلا أنه في الجوهر لن يؤثر سلباً على المصير الإسرائيلي المنشود للمدينة المقدسة، ولا يبتعد القرار كثيراً عن تهيئة مناخات، يظن الإسرائيليون إنها مواتية لمزيد من الضم الفعلي للسكان، واضعين في الاعتبار أن مواطني القدس الفلسطينيين هم العقبة الكئداء التي تعاني منها مشاريع الضم والالحاق الإسرائيلية، سواء من حيث تصميم أهل القدس على الدفاع عن حقوقهم الوطنية في مدينتهم، والقيام بأنشطة تجعل من المدينة المقدسة موضع نزاع عميق لا حل له إلا بجعل المدينة عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة، فأهل القدس من خلال قرار المحكمة العليا حصلوا على بعض ما يحق لهم ولن يتعاملوا مع هذا كما لو أنه رشوة للسكوت عما يبيت لهم ولمدينتهم.

أما حكاية الصندوق القومي، فهو مقدمة لضرب منظمة التحرير الفلسطينية، التي اتفقت مع إسرائيل على الاعتراف المتبادل، والتي قادت مسيرة المفاوضات والحل بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، سيكون صعباً على إسرائيل سحب الاعتراف بالمنظمة، لما يجره ذلك من مضاعفات وردود أفعال على مستويات عدة، إلا أن ما تراه سهلا وممكناً، هو ضرب منظمة التحرير بالقطعة وبالتدريج، ليستفيق الفلسطينيون بعد زمن على منظمة لا وجود لها الا كيافطة تشبه يافطة الهيئة العربية العليا التي ماتت مع موت الحاج أمين الحسيني.

وفيما يتعلق بالمستوطنة الجديدة البديلة عن عاموناه، فهي إثبات من جانب الحكومة الإسرائيلية على تطوير الاستيطان بحيث يستبدل العشوائي بالقانوني، حدث ذلك حين أصدر الكنيست قرار التسوية، وها هو يحدث حين يشرع نتانياهو ببناء المستوطنة الجديدة، والمسألة هنا مسألة توقيت سيحرص نتانياهو على اختياره بما يلائم أجندته ومتطلبات البقاء في الحكم لفترة أطول.

كل ذلك يحدث وبعض الفلسطينيين ما يزالون في حالة انتشاء من غمزة ترمب لهم، واستعداده لفتح ملف قضيتهم، واستقباله رئيسهم بعد أن يكون مبعوثه الخاص حرث البلاد طولاً وعرضاً لاستكشاف البديهيات والتهيئة لطرح أفكار، حين نتعرف عليها سنكتشف أن لا جديد فيها.

وظيفة نتانياهو وليبرمان ومن يشدون على أيديهم في إدارة ترمب، أن يضعوا الفلسطينيين في حالة يكون فيها التفاؤل بالتقدم في المسيرة السياسية مجرد أحلام يقظة وسعياً وراء سراب لا نهاية له.