الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.(أرشيف)
الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.(أرشيف)
الإثنين 20 مارس 2017 / 20:07

الرئيس المنتخب لمواجهة الإخوان

تساءل المؤرخ التونسي الشهير هشام جعيط ساخراً : " اذا كانت النهضة هكذا ، فكيف يكون السقوط ؟"

1-
ظروف ميلاد حزب "نداء تونس" الذي أعطى رئيسه رئاسة تونس لها قصة، تبدأ من اتساع قطاعات واسعة من الرأي العام التونسي المخالف لعيون الإخوان المسلمين في النظر إلى حياة التونسيين والتونسيات على قطعة من تراب الكرة الأرضيّة يعرف العالم أنها تونس وليست تونستان، وذلك بعد أن أطلّ حزب حركة النهضة بظلاله على صناديق الاقتراع التي انتهت بفوز متوقع في تلك الظروف للإخوان نهاية سنة 2011، وبدأ الحكم الثلاثي المعروف بـ "الترويكا " بزعامة النهضة.

2-
بعد 14 يناير (كانون الثاني) 2011 انطلق الإخوان المسلمون في تونس من مواقعهم السرية، ومن السجون ومكامنهم المختلفة يتدافعون في النسيج الاجتماعي، وقد وفد بعضهم من المنافي والسجون والمهاجر، وبحماس السجين وهو يردد "أعطني حريتي أطلق يديَّ " اندفعوا نحو العلن والعمل الجهري في الشارع والساحات والمساجد والزوايا ونشروا الكتاتيب، وأدخلوا المنشورات التي كانت ممنوعة، وسلحوا كتائب إلكترونية وفي مواقع التواصل، وانتشروا في استوديوهات الإذاعة والتلفزيون وأعمدة الصحافة، وكراسي الإدارات، ومقاعد البرلمان وحقائب الوزارات والسفارات، وصولاً إلى رأس الحكومة، وبلغت يدُ الإخوان المسلمين في تونس مدًى كبيراً وصل إلى قصر الجمهورية، وكان محمد المنصف المرزوقي حليفهم في الحكم وأملهم في أن يكون رئيساً مؤقتاً من صناعة النهضة.

وكانت انتخابات2011 التونسية واعدة جداً بإنصاف المترشحين بعد سنوات وعقود من تقاليد التزوير وقلب النتائج لصالح الحزب الحاكم. ومنحت تلك الانتخابات إلى حزب النهضة ثقة صندوقية عالية، وكان الخوف ينتاب هذا الحزب من أن تكون النتائج مزورة، وبعد صعود الإخوان وفوزهم بأصوات غالبة، باتوا يعتقدون أن الشعب الذي انتخبهم قد أحبّهم بدعوى أنهم يمثلون الأيادي النظيفة التي بعثتها العناية الإلهية للقضاء على الأوساخ السياسية والجراثيم الأخلاقية.

3-
وكما هو الحال في المابعد، فإن البداية كانت غير النهاية والخطاب النظري غير التطبيق على أرض الميدان، وبدا وصول النهضة إلى سدة الحكم تهافتيًّا على الكراسي والمناصب، والدواوين، والوزارات، وكانت النتيجة مختزلة في كلمتين:

- سائق التاكسي في تونس علق: "أتمنى قطع الإصبع الذي انتخب النهضة، أانا الآن نادم بل ونادب"
- وتساءل المؤرخ التونسي الشهير هشام جعيط ساخراً:
"إذا كانت النهضة هكذا، فكيف يكون السقوط ؟"

4-
لم تكن النهضة وحدها في فترة حكومة الترويكا تتصرف في شؤون البلاد وتتخبط تخبطاً عشوائياً بفعل انعدام الخبرة في إدارة الدولة وفي تسيير أمور "الشعب الذي يريد ويحلم بالمزيد"، فالحزب الذي يديره محمد منصف المرزوقي كان شريكاً للنهضة في التحالف الثلاثي.

وكان أداء المرزوقي في الرئاسة، وتصرفاته التملّقية لراشد الغنوشي، وأداؤه في الرئاسة، وتدخله في شؤون مصر ما بعد مرسي الإخواني، وحواره مع أهل الإرهاب: كل هذه التصرفات لهذا الرئيس القادم من آفاق علمانية قد زاد في توريط النهضة الإخوانية المتخبطة أصلا في سوء الأداء السياسي.

5-
صار لا مناص من مواجهة النهضة والتصدي لمدِّها الموسوم بالظلامي والجهادي الخفي من خلال دعوات وجهت لرموز الافتاء الفضائي المتخلف مثل المصري وجدي غنيم وغيره من الذين يخطّئون الناس في كل تقاليدهم، وانتشروا في البلاد ليدربوا الناس باسم ال‘سلام على عادات غريبة عما ألفه الشعب التونسي من الطقوس والتقاليد في كل نواحي الحياة، بما في ذلك تصحيح طريقة غسل الموتى، وأصول الدفن وكل ما يتعلق بثقافة الموت والفناء.

6-
كان المحامي والقيدوم السياسي محمد الباجي قايد السبسي قد عاد الى بيته حالماً بعد رئاسة الحكومة التونسية في أعقد الفترات ما بعد خروج زين العابدين بن علي، وعبر صندوق الانتخاب الحر والنزيه والشفاف سلم الباجي رئاسة الوزراء إلى السجين الإخواني السابق حمادي الجبالي، ولكن أخطاء الأداء السياسي، للنهضة قائدة الترويكا، تمثلت في إعلان الحلم بالخليفة السادس والتساهل مع الحركة الجهادية السلفية باسم حرية الحركة واعتبار تونس جنة الإخوان فكلها أمان واطمئنان، وكان راشد الغنوشي قد طمأن الجهاديين (في فيديو شهير) إلى ضرورة التريث وإلى أنّ أمور الدولة تؤخذ شيئاً فشيئاً عبر نظرية التدافع، وكان من جراء حرية النشاط والتغاضي عن أفعال الاخوان في الشارع أن تجلت كل مظاهر التحرك الثقافي والاختلاف حول نصيب المرأة من الحراك الاجتماعي والتلويح بفكرة الزوجة الثانية، والتلميح للإعلان عن الراية الداعشية بدل العلم الوطني التونسي، واغتيال الزعيمين المناهضين للنهضة: شكري بالعيد ثم محمد البراهمي.

كل هذا الجو المشحون هو ما جعل الناس يلتفتون إلى رجل يمكن أن يمثل الحل للخروج من هذه الأزمة، ولم يتفق التونسيون بعد ثورة الشباب إلا على هذا الرجل الذي تخطى عقده الثامن وعاد إلى بيته، وقد كان يحلم بالتقاعد السعيد والمراقبة من بعيد.

7-
لقد أثبتت الإحصاءات أن مجموع الأصوات التي نصرت الباجي في معركة الرئاسة على خصمه منصف المرزوقي (حصان الرهان لدى الإخوان ) كانت بفضل أصوات أكثر من نصفها من أصوات النساء اللواتي انتخبن الباجي لمواجهة الإخوان. فماذا حصل بعد الوصول إلى الرئاسة ومغادرة رأس حزب نداء تونس؟

قال الطيب صالح في مقدمة "موسم الهجرة إلى الشمال" على لسان بطله مصطفى سعيد: "وتلك حكاية أخرى".