الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.(أرشيف)
الثلاثاء 21 مارس 2017 / 19:55

أشباح التاريخ العثماني

اللعب على حبال التاريخ أوصل إردوغان إلى تحميل هولندا مسؤولية مجزرة "سريبرنيتشا" متجاهلاً رفض اعتذار بلاده عن المجازر التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحق الارمن

لم تدر في ذهن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان محاذير التعامل الانتقائي مع التاريخ وهو يوقظ أشباح الماضي لتجييشها في مواجهة خصومه الأوروبيين بعد منع وزيريه من الدعاية للاستفتاء الرئاسي في هولندا.

وجد الإعلام الموالي لإردوغان في التذكير بمناخات معاهدة "سيفر" التي فرضت تعديلاً على النظام الانتخابي التركي ـ بعد الحرب العالمية الأولى ـ وسيلة للرد على انتقادات "لجنة البندقية" للتعديلات الدستورية التي تمنح المزيد من السلطات لموقع الرئاسة التركي.

دون اعتبار لحاجة تركيا للاتحاد الأوروبي ودوافعها للشراكة معه ولهاثها للحصول على عضويته امتد التخصيب العشوائي للذاكرة التركية إلى الإشارة لمساعدة مالية قدمتها الدولة العثمانية لهولندا إثر تعرضها لفيضان أدى لوفاة العشرات خلال سنوات الحرب العالمية الأولى.

اللعب على حبال التاريخ أوصل إردوغان إلى تحميل هولندا مسؤولية مجزرة "سريبرنيتشا" متجاهلاً رفض اعتذار بلاده عن المجازر التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحق الارمن.
الاستخفاف بذاكرة الأتراك شجع رئيسهم على الحديث عن ألمانيا "النازية" دون إشارات الى تحالفات الدولة العثمانية مع القيادة الألمانية في ذلك الوقت وما ترتب على تلك العلاقة بعد هزيمة هتلر في الحرب.

في قراءاته الانتقائية كان إردوغان حريصاً على إخفاء صفحات من التاريخ التركي بينها الخطوات التي قام بها كمال أتاتورك للعثور على طوق النجاة الذي يجنب تركيا دفع المزيد من فواتير الزمن العثماني.

وينطوي نجاح الرئيس وماكينته الإعلامية في شد العصب القومي التركي ـ دون مراعاة البعد الديني في تفكير حزب العدالة والتنمية ـ على تداعيات بينها تضخيم القلق الغربي من الإصلاحات الدستورية التركية التي تعيد إلى أذهان ساسة القارة العجوز الخطر الذي تمخض عن الصلاحيات التي كان يتمتع بها السلاطين العثمانيين والواضح أن اليمين الأوروبي الآخذ في التمدد أول المستفيدين من هذه المناخات.

تطبيق قانون نيوتن الثالث للحركة على الأداء الإردوغاني يقود إلى توصيفات من نمط "التبادلية" بين شعوبية وأخرى مضادة وتغذية تحولات العلاقة بين شرق أدى فشل الاتراك في الانسلاخ عنه لوصول إردوغان الى السلطة وغرب يتجه يوماً بعد يوم للانكفاء والابتعاد عن الليبرالية الدولية.

يندرج استحضار أشباح التاريخ العثماني في سياق تحفيز اليمين الغربي وتأليبه على الشرق وتبرير النظرة الأكثر تطرفاً في ذهنية الاستشراق الحاضرة بشكل أو بآخر في العقل الأوروبي مما يعني دفع شعوب المنطقة المزيد من فواتير الحلم الأردوغاني باستعادة أمجاد السلطنة