من "حمى الذهب".(أرشيف)
من "حمى الذهب".(أرشيف)
الأربعاء 22 مارس 2017 / 19:52

طعام شارلي

المُشاهِد العارف ينتظر من شابلن، إضافة أخرى، لمسة القمة، لمسة الأناقة الساخرة، توقيع المشهد

على جبال ألاسكا الثلجية، وفي كوخ متهالك، هناك ثلاثة باحثون عن الذهب في فيلم "حمى الذهب" 1925 للمخرج شارلي شابلن. الباحثون الثلاثة يتضورن جوعاً. واحد منهم ضئيل الحجم، خفيف الظل، وهو بالطبع شارلي شابلن. على المائدة مصباح، وفي المصباح نصف شمعة مِزيِّتة. يأخذها شارلي ويتذوقها بأطراف أسنانه، وكأنه يشترط طيب مذاقها أولاً قبل التهامها. المُشاهِد العارف بسينما شارلي، يعرف أن اشتراط طيب مذاق الشمعة أولاً، يُجسِّد عَظَمة كوميديا شارلي، لكن المُشاهِد العارف ينتظر من شابلن، إضافة أخرى، لمسة القمة، لمسة الأناقة الساخرة، توقيع المشهد، وها هو شابلن يفعلها. يأخذ ملاَّحة من على المائدة، ويرش قليلاً منها على نصف الشمعة ثم يلتهمها.

العاصفة الثلجية تشتد، وجوع الباحثين عن الذهب، يشتد أيضاً. على واحد من الثلاثة تحدي العاصفة للبحث عن الطعام. تخفيض مغامرة وطموح الثراء إلى الحد الأدنى للبقاء، تعود إلى رؤية شابلن الدرامية، التي لا تحتد إبداعياً إلا في ظروف الحد الأدنى للبقاء. مَنْ يسحب الرقم الأدنى في ورق الكوتشينة، يخرج للعاصفة الثلجية ثم يعود بالطعام للاثنين الآخرين داخل الكوخ. يسحب جيم الكبير صورة، ويسحب شابلن رقم 3، ويسحب المُدان جنائياً رقم 2. يبقى شابلن وجيم الكبير داخل الكوخ.

عشاء عيد الفصح. الانتظار في الكوخ دون طعام جحيم مُستعر. على شابلن أن يطبخ شيئاً. شابلن ملك اللياقة. جيم الكبير جائع. يطبخ شابلن فردة حذائه اليمنى. حذاء شابلن شهير، ماركة مُسجَّلة، يساوي وزنه ذهباً لمحبي السينما. البخار يتصاعد من جلد الحذاء كأنه طعام حقيقي. يهتم شارلي بآداب تحضير المائدة. شارلي متشدد في الأناقة. جيم الكبير ينظر إلى وليمة العشاء بامتعاض. يفصل شارلي وجه لحم الحذاء، المطهو جيداً، عن بطنه. يقدم شارلي طبق لحم بطن الحذاء إلى جيم الكبير. شارلي خبير بلحم حذائه، وكريم في ضيافته، ويعرف أن مذاق بطن الحذاء أكثر دسماً، والدسم مناسب لجيم الكبير الجائع مثل حفرة. جيم الكبير الفظ يفكِّر أن لحم وجه الحذاء أفضل من لحم بطن الحذاء، فيقوم بتبديل الطبقين. ما زال الامتعاض على وجه جيم الكبير الذي يتنازل بزهد ونسيان عن رباط الحذاء السباغيتي، وهو امتياز إضافي ينزل في المينو مع طبق لحم وجه الحذاء. يأكل شارلى، وكأنه تجاوز رضى الحد الأدنى للبقاء، يأكل باستمتاع، ويُشجِّع صديقه على الطعام. يتأفف بقرف جيم الكبير، وهو يقضم لحم وجه الحذاء، ضارباً عرض الحائط بآداب المائدة.

يعثر بلاك لارسن الباحث عن الذهب المدان جنائياً، على طعام، وفوق ذلك، على الكنز الذهبي لجيم الكبير، لكنه لا يعود لرفيقيه في الكوخ. تستبد حفرة الجوع بجيم الكبير، فيعرض شارلي على جيم، طبخ حذاء قدمه اليسرى. يشيح جيم بوجهه غاضباً، لا يريد هذا الطعام، يريد طعاماً حقيقياً. تتغير ملامح جيم، فيرى شارلي فرخة سمينة مِريِّشة ترفرف بجناحيها، وتمد رقبتها إلى الأمام، وهي تفوق حجماً شارلي الضئيل. تتسع عينا جيم الكبير، فتعود الفرخة السمينة إلى هيئة شارلي الضئيل. يضحك جيم الكبير، ويقول لصديقه: رأيتك منذ لحظات على هيئة فرخة تمط رقبتها ثم يقلد لشارلي، حركة رقبة الفرخة. يخاف شارلي، فجيم الكبير عملاق. يعود شارلي فرخة في عين جيم الذي يسحب السكين من حزامه، ويُبصبص للفرخة بفمه ويده، لتقترب منه. تجري الفرخة خارج الكوخ. يتبعها جيم ببندقية الصيد. وقبل إطلاق النار عليها، تعود الفرخة في هيئة شارلي. يعتذر جيم لصديقه. لا بد أن الجنون أصابني. قبل دخولهما الكوخ، يدفن شارلي بندقية الصيد في الثلج، ولا تفوته لمسة الكوميديا العالية. بقدميه دون يديه، يعفِّر الثلج إلى الوراء على مكان بندقية الصيد، كما تفعل فرخة حقيقية. داخل الكوخ يُبصبص جيم الكبير بفمه ويده لشارلي، يُبصبص لهيئة شارلي، وليس لهيئة الفرخة، قائلاً: فرخة أو مش فرخة، شارلي صديقي شهي، ويستحق الأكل. شارلي يجري إلى الخارج، ويخرج بندقية الصيد من الثلج. جيم الكبير وراء شارلي ببلطة.
داخل الكوخ مرة أخرى، شارلي ببندقية الصيد، وجيم الكبير بالبلطة. ينام شارلي بحيلة وضع يديه في فردتي حذائه، لكن فردة حذائه اليمنى أُكِلَت، ومكانها الآن قطعة خيش مربوطة في يده اليمنى، كما كانت مربوطة في قدمه اليمنى. يهاجم جيم الكبير شارلي من الناحية الأخرى. يقفز شارلي ببندقية الصيد من تحت الغطاء. يقاتل شارلي بشراسة من أجل حياته. يظهر دب أسود، ظهوره الثاني، أمام الكوخ، وكان يتعقب شارلي في بداية الفيلم. يُصيب شارلي الدب برصاصة من بندقية الصيد. بسرعة يُحضِّر شارلي المائدة لطعام حقيقي، طعام يردم حفرة جيم الكبير.