مقاتل من الميليشيات الشيعية في العراق. (أرشيف)
مقاتل من الميليشيات الشيعية في العراق. (أرشيف)
الأربعاء 22 مارس 2017 / 19:16

إيران تكافح الإرهاب بشعارات طائفية!

إعلاء الحسّ الوطني داخل المنظومة الوطنية عامل مهم لتجنيب مجتمعاتنا ويلات الحروب والتعصب البغيض

لم نر في صفحات التاريخ أنّ أممًا أو حضارات أو مدنيّة نهضت أو تقدّمت في ظل صراع داخلي حاد أو فتنة طائفية أو مذهبية في مكوناتها الوطنيّة. ولا شك في أن أيّ انشغال عن هذا المقصد -المدنية والنهضة- بأمور جانبيّة وخلافات فرعيّة يسبّب التّناحر ويجعلها معرّضةً لهجوم الأعداء وتكالبهم، والحروب الدينية غالبًا ما تكون أقسى الحروب وأكثرها عنفًا وتدميرًا للأوطان لانها تحمل العفن التاريخي، وإشعال الحرائق بالضّرب على عصّب الكراهية والتعصب ورفض الآخر، مع أن التنوع هو تمتين لقاعدة الوحدة الوطنيّة.

فالحكومة الطائفية ضيقة الوعي والأفق، ولا تمتلك رؤية وطنيّة شاملة، والأكيد أّنها لا تملك قرارها. لهذا نحن اليوم أمام مأزق من نوع آخر، حينما أوجدت حكومة "المالكي" الطائفية المقرّبة من النظام الإيراني وضعًا صعبًا، عندما دعمت الميليشيات الشيعيّة واستولت على قطاعات من الجيش العراقي، وتم تمرير مشروعها الطائفي والثوري إلى البلدان العربية والخليج، وعملت كأنّها الوصي على الشيعة العرب، وهناك أطراف مسؤولون أو وُكلاء إيران وعصاها الغليظة لتدمير أوطانهم، فمنهم الشيعة العرب المحسوبون على إيران أو الشرذمة القليلون من الانقلابيين أو الموالين لنظام الولي الفقيه على حساب الأوطان، أو لكلّ مرجعية تمارس العمل المسلح المتطرف، وكل أجندة سياسية داعمة للنظام ،إذن كيف يمكن أن يكون هؤلاء الدهماء شركاء صالحين في أوطانهم ؟!

ثمة شعور في أن أي مكون وطني غير معترف به أو تلغى عنوة هويته، يؤدي حكماً إلى شعوره بالتمييز والعزلة، لهذا لا بدّ من اتّخاذ موقف قويّ وجريء تجاه إيران وفضح مخططاتها، ولهذا دعا جاويش أوغلو خلال الدورة 53 لمؤتمر ميونيخ للأمن طهران إلى إنهاء الممارسات التي من شأنها زعزعة استقرار المنطقة وأمنها، لافتًا إلى أنّ إيران تسعى لتحويل سوريا والعراق إلى دولتين شيعيتين، وانتقد جاويش أوغلو ما سمّاها «سياسة إيرانية طائفيّة» لأنّها لم تعد هناك أيّ دولة بمنأى عن تأثير هذه الصراعات والتدخلات الخارجية.

إعلاء الحسّ الوطني داخل المنظومة الوطنية عامل مهم لتجنيب مجتمعاتنا ويلات الحروب والتعصب البغيض، كما علينا ضبط الفتاوى المكفّرة للمختلف عنا، وعدم نشر الكراهية من خلال التصريحات المخوّنة للآخر لكونه مختلفاً معي في مذهبه أو عقيدته، فالمواطنة لا تمنح الحظوة لمعتقدات أو أصول القومية.

أضحت إيران تعتمد "الشعارات الطائفية في مواجهة الإرهاب" بدلاً من "الشعارات الوطنية لمقاومة الإرهاب" وما يحصل في الموصل واليمن وسوريا ولبنان شاهد على مكان المأساة، ولن يمكن التخلص من آثار هذا التأجيج بسرعة ولو وضعت الحرب أوزارها، بل ستعاني المنطقة من عدم الاستقرار بسبب علل الطائفية وأمراضها المزمنة، والعبث السياسي والفوضى المذهبية كفيلان بتمدد الجماعات الإرهابية وتناسخها.

وأخيرًا، المخططات الإجرامية الموجهة لمملكة البحرين كشفت مدى تدخل إيران في الشأن الداخلي، وتشكيل مجموعات وخلايا إرهابية عدة، فضلاً عن سفر عدد من أعضاء التنظيم إلى إيران والعراق للتدرّب على استعمال المتفجرات والأسلحة النارية في معسكرات الحرس الثوري لإعدادهم لتنفيذ الجرائم الإرهابية داخل البلاد، ومقاومة السلطات والتعدي على القائمين على تنفيذ القانون، والهروب من الحبس والإيواء والتستر والإخفاء لأعضاء التنظيم الإرهابي، وكلّها مؤشّرات لا تستهدف الأقليات فقط، بل تستهدف تقويض الدولة والنظام عبر إثارة النعرات والحروب الأهلية.

تفعيل حق المواطنة في المجتمع هو الآلية الناجعة للحد من الفتن و الصراعات الطائفية والعرقية، ومع ذلك هناك الوطنيون من العراقيين الذين ينتقدون ويهاجمون نظامهم السياسي الحالي الذي انحاز لإيران وتسلّط على الإرادة الشعبية، لكن للأسف كانت وحدة الموقف غائبة، لا أحد يعوّل على الجماعات المعتدلة بكتلتها السنية أو الشيعية، لأنّ هناك مناخات في أوطاننا العربية مازالت مأزومة وتتأجج بسهولة، بل مشحونة حتى الثمالة بالتعصب والدفاع المستميت عن الهوية المذهبية، لا صدى لتلك الأصوات التي تدعو إلى السلم والتصالح عدا سباقات التسلح والمكاسب العسكرية والصراعات المذهبية، بل إنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!

إحياء فكرة المواطنة الصالحة وتعزيز روافدها، ونشر الوعي المعرفي بقيمتها ومبادئها الخيار الحاسم لمقارعة الإرهاب الطائفي، وأدبيات ديننا تحث على الولاء للأوطان، فقوله عليه الصلاة والسلام عندما فارق مكة: «ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت»، فيه دلالة على شدة تمسكه بوطنه وولائه له، وتأكيد أنه رغم صنوف الأذى التي نالها في هذا الوطن مازال يكنّ لها الحب والوفاء، فإنه لم يكن ليخرج منه لولا أن أهله قد أخرجوه منه.