الخميس 23 مارس 2017 / 09:22

الجهاد للإنسان وليس للأديان

أحمد الأميري - الاتحاد

الجهاد في العقل الجمعي للمسلمين لا يتوقف عند حدود صد العدوان، وإنما لتطويع العالم ونشر الإسلام في كافة أنحاء المعمورة، مع تخيير غير الكتابيين بين الإبادة وبين اعتناق الإسلام، وترك أتباع الأديان السماوية وما يعبدون، في حال قبولهم بدفع الجزية واعتبارهم نصف مواطنين في الدولة الإسلامية الكبرى!

هذا الفهم الكارثي لمفهوم الجهاد يبدو في الكثير من الأمور التي لا يمكن إخفاؤها وإنكارها، فهكذا قالت الغالبية من الفقهاء، والمفسرّين، والمحدّثين، وهكذا يقول خلفهم، مع اختلافهم في قصص الاستعداد، والجاهزية، والتوقيت، والظروف، دون أي خلاف بينهم حول صوابية أو خطأ فكرة شنّ الحروب الدينية، إلى درجة أن بعض العقلاء يدعون بأن لا تتهيأ تلك الظروف أبداً.

وهذا الفهم الخاطئ لمفهوم الجهاد يتجلى أيضاً في كل تلك التنظيمات الدينية المسلّحة وغير المسلّحة، والتي تهدف إلى نشر الإسلام بالحسنى أو بالعنف، وأحياناً يكون جهادهم موجهاً ضد المسلمين أنفسهم، لحملهم على اعتناق أفكارهم، وكان يمكن القول إن هذه التنظيمات على كثرتها، لا تعبّر عن العقل الجمعي للمسلمين لولا أنها تنشأ وتنمو وتتمدد في بيئات حاضنة، وليست موجودة مثلاً على سطح المريخ، ومن هناك تدير عملياتها على الأرض.

وهذا الفهم الخاطئ لمفهوم الجهاد لا يزال يلقّن لطلبة المدارس في بعض الدول، ويدرّس في الجامعات، وتوضع فيه المؤلفات، ويُزعق به من فوق المنابر، وتلاحظه في ردود الأفعال على الجرائم باسم الدين، وتعرفه من خلال التبريرات التي تقال، وتفهمه من الخلاف الذي ينصبّ حول التفاصيل الصغيرة.

وخطر الاعتقاد بهذا الفهم الخاطئ للجهاد لا يكمن في تنزيل تلك الفكرة إلى أرض الواقع فحسب، إذ يكفي أن يعتقد المسلم بأن غير المسلم لا حق له في الحياة إلا بعد تحوّله إلى الإسلام، أو دفعه الجزية إذا كان كتابياً، إذ لا شيء يمنعه من النيل من هؤلاء بأي وسيلة تتوفر له، ذلك أنهم في نظره بحكم الأموات، وأن تمتعهم بالحياة وبالحرية الدينية ما كان ليحدث لولا ضعف المسلمين، وتفرّقهم في دول وطنية، بدلاً من أن يسعوا إلى إقامة الدولة الإسلامية الكبرى التي لا تغيب عنها الشمس.

كيف يمكن لأمم الأرض الثقة بالمسلمين والاطمئنان إليهم وإقامة جسور التواصل معهم، إذا كانوا يعرفون أن المسلمين يعتقدون أن واجبهم إعداد القوة اللازمة لإرغامهم على تغيير أديانهم والخضوع لهم؟! بل كيف لا يحولون بين المسلمين وأسباب القوة، لاسيما وأن معتقدات المسلمين لم تعد خافية عليهم؟!

لا يجب التعويل بعد اليوم على رجال الدين التقليديين لتنظيف العقل الجمعي المسلم من هذا المفهوم الكارثي للجهاد، إذ من الواضح أن هؤلاء إما كسالى، أو تكلست عقولهم، أو يخشون مواجهة الجمهور بطرح متجدد، أو أنهم على قناعة تامة بأن الجهاد شُرّع فعلاً لغزو العالم!

الأمل في المفكرين الأحرار، وفي الباحثين الجادين والشجعان، وفي بعض المتخصصين في الدين ممن لا تنظر لهم المؤسسات الدينية بعين الرضا والقبول، في إزالة كل ما علق بالجهاد من نصوص وآراء وأحداث حرّفت مفهومه من مجال الإنسان إلى مجال الأديان.