روجيه عساف.(أرشيف)
روجيه عساف.(أرشيف)
الخميس 23 مارس 2017 / 19:59

سجال مع روجيه عساف

روجيه عسّاف أحد صنّاع المسرح العربي وروّاده. الرجل أمضى على الخشبة جلّ عمره واستغرقه التفكير في المسرح والتنظير له، فهو فضلاً عن كونه مخرجاً وممثّلاً منظوراً، منظّر للمسرح، ينفرد بتنظيره. وبدعوة من مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة، كان لقاء مع المخرج استدعى سجالاً ثريّاً من مجايليه وشبّان المسرح الجدد.

روجيه الراديكالي لا يهتّم بالمسرح على حده. يمكننا القول إنّه غير معنيّ بالمسرح كفنّ مستفلّ، بل هو غير معنيّ به كفنّ. بالنسبة إليه هو إرث كولونيالي، بل هو فنّ يلائم المجتمعات التي أخرجته ولا يلائم بالتأكيد مجتمعنا وليس علينا أن نلتزم بقواعده اوبمفهومه. إنّنا فقط نستخدمه كما يتراءى لنا وكما نحبّ أن نفعل. ليس من شأننا أن نبدع فيه أو نختطّ لأنفسنا فيه طريقاً خاصّاً أومدرسة مستقلّة فالأمر لا يستحقّ ولا يقع إنشغالنا أو توجّهنا عليه. ما يعنينا بالأولى أمر آخر يمتّ دائماً للسياسة فهي مقصودنا، وحدها هي معركتنا، وحدها تستحقّ أن ننشغل فيها وأن نبدع وأن نخترع. المسرح كفنّ تافه كما قال، إنّه أداة فحسب.

لا يبالغ روجيه بالطبع في شأن المسرح أوأهميته. ليس فنّاً جماهيريّاً وليس وسيلة مثلى للتعبئة أو التحريض. إنّه فنّ نخبة، فنّ أقليّة ضيّقة لذا لا نعتمد كثيراً عليه ولا نبالغ في أهميّته.
هذا الكلام من رجل أفنى عمره في المسرح وأعطاه فوق الخمسين عاماً،لا يخلو من مأسويّة. إنّه دفاع متقهقر عن حصيلة عمر، بل هو ليس يأساً من المسرح بقدر ما هو يأس من المجتمع الذي لم يعد موجوداً على حد قوله، ومن السياسة والمسرح بعدها.

ينجرّ يأس روجيه على السياسة وعلى المسرح.ليست السياسة سوى سلسلة انتكاسات,إنّها خيبة تجرّ خيبة، خسائر وراء خسائر، ما حصلناه في أعوام نعود ونخسره في لحظات. ليس لنا إلاّ أن نستريب بالسياسة التي تبقى مشبوهة وفاجرة. ها يبقى لنا من السياسة قضيتنا الأولى الفلسطينيّة .عروس القضايا ونموذجها الأبرأ. السياسة التي وحدها الجوهريّة ووحدها النقيّة ووحدها الطاهرة في نظر روجيه وكثيرين، لذلك ينسحبون إليها ويفردونها عن سواها. إنّها الملجأ الأخير، لاتزال هي القضية رغم إنقضاء قرابة ثلثي القرن عليها ورغم مسارها الطويل والدامي فهي لا تزال بكراً كأوّل ما بدأت، وكأن لم يعد عليها الزمن ولم تثقلها التجارب.

كان روجيه دائماً صاحب إيمان، ودائماً صاحب إيمان. لقد تنقّل من عقيدة الى عقيدة شأنه في ذلك شأن ابن المقفع الذي حرص على الشعائر المجوسيّة ليلة إسلامه قائلاً: كرهت أن أبين ليلة على غير دين. هكذا تنّقل بين السورية القوميّة الإجتماعيّة والمسيحيّة والماركسية والإسلام. لقد كان بحاجة مستمرّة إلى دعوة وإلى إنتماء وإلى عقيدة. من هنا نفهم لماذا لم ينتسب مع هذا كلّه إلى حزب. لقد كانت العقيدة عنده أكبر من حزب، كانت بمثابة دين. المسرح في نظر عسّاف إرث كولونيالي ليس إلاّ، إنّه لاشيء بالنسبة إليه وليس أكثر من رافعة للسياسة. من يقول ذلك واحد من أكثر مسرحيينا تفنناً ودراية بالمسرح وإطّلاعاً على تطوّره ومستجدّاته وخاصّة في الغرب. إلاّ أنّنا لن نرفع ذلك في وجهه وننصبه حجّة ضدّه. لن نطابق كلامه على أعماله ولنأخذه وحده.

 قد يكون المسرح مهنة كما يقول، ذلك لا يمنع أنّ المسرح فنّ نصّاً وإخراجاً وفيه كلّ شروط الفنّ ومعالمه. فيه من الخلق والإبتكار والتفرّد والرؤيا الفكريّة و الفلسفيّة، ما لا يتوفّر عامّة في المهن. إنّه فنّ وأعمال روجيه المسرحيّة فنّ قبل كلّ شيء وتزداد فنيّتها كلّما اختلفت رؤيتها وكلّما إبتعد مرماها، الحكواتي،على سبيل المثال، تتوسّل لغرضها الجديد شكلاً مبتكراً، وإن يكن مسبوقاً فتاريخ الفنّ ملك للجميع ومتاح للجميع،على انّ رهافة إخراج روجيه قد تتلقّى مطعناً من تدخلاته السياسيّة الّتي هي أحيانا مباشرة ودعويّة السياسة أوّلا ،بل السياسة كلّ شيء وهي مبدأ الأمور ومخرجها، هذا الدرس ليس جديداً، إنّه أمثولة العصر القومي ففيه إختزلت الثقافة والحياة فيها،وبالطبع لم يؤدّ هذا إلى تنمية السياسة ولا إلى تنمية الثقافة ولا إلى تنمية المجتمع.قد يكون يأس روجيه من نتائج ذلك.