(أرشيف)
(أرشيف)
الجمعة 24 مارس 2017 / 11:10

الأردن.. والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية

القدس – د. ناجي صادق شراب

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اتصاله الهاتفي مع الرئيس عباس ومن خلال مبعوثه الذي يزور المنطقة لأول مرة على أن المفاوضات المباشرة هي الخيار الأوحد أمام الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما يتم العمل والتمهيد له.

الفلسطينيون في موقف قد لا يسمح لهم برفض المفاوضات، وخصوصاً أن هناك زيارة مرتقبة للرئيس عباس لواشنطن، ولقاء الرئيس الأمريكي ترامب، والتي قد تستأنف بعدها المفاوضات.

المفاوضات هذه المرة لن تكون سهلة في ظل حكومة يمينية متشددة ترفض قيام الدولة الفلسطينية، والتقيد بمرجعية تفاوضية ملزمة، وفي ظل إدارة أمريكية جديدة أعطت تأييدها الكامل مسبقا للموقف الإسرائيلي، بالتأكيد على عدم فرض أية حلول لا ترضى عنها إسرائيل، وقد تعقد في ظل مفهوم الصفقة الشاملة الذي يعني مطالبة الفلسطينيين بتقديم تنازلات مؤلمة.
في سياق هذه البيئة التفاوضية لا بد وأن يراجع الفلسطينيون خياراتهم واستراتيجياتهم التفاوضية، والوقوف على أسباب الفشل للمفاوضات السابقة، وفي سياق هذه المراجعة يبرز الدور الداعم والحاضن للأردن في أي مفاوضات قادمة.

الأردن ليس مجرد نظام حكم، وليس مجرد دولة جارة عادية، وليس مجرد ممر للفلسطينيين يدخلون ويخرجون منه للأراضي الفلسطينية، وليست مجرد دولة حدود أو دولة إقامة للفلسطينيين.

الأردن تحكمه بفلسطين معطيات ومحددات قوة تتجاوز العلاقات العادية والمتعارف عليها بين الدول، فالأردن دولة توافقية وله دور مهم ليس فقط في إطار العلاقات الفلسطينية، بل في الإطار الأوسع والأشمل على مستوى المنظومة الإقليمية العربية، وما يقوم به الأردن، الذي ستعقد القمة الثانية والأربعون على أرضه في ظل ظروف وتحديات عربية مصيرية في مقدمتها القضية الفلسطينية، ومحاولة استعادة العمق العربي لها.

الأردن يشكل عمقاً تاريخياً وبشرياً وأمنياً واستراتيجياً لفلسطين، وترتبط أية مفاوضات وتداعياتها على الأردن، قضايا التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية ترتبط مباشرة بالأردن دولة ومصلحة عليا، قضية اللاجئين وقضية القدس والدولة والحدود لا يمكن تصور حلول لها بدون الدور الأردني المباشر.

فالدور الأردني ليس مجرد وسيط ينقل وجهات نظر أو يقرب بينها، وليست أرضه مجرد احتضان للقاءات بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو أطراف أخرى، بل إن الدور الأردني يتجاوز كل هذه الحدود ، ليصل إلى حد المساهمة المباشرة في الرؤى والاستراتيجيات التفاوضية التي ينتهجها المفاوض الفلسطيني، ولا بد أن يكون للأردن رؤيته وتصوراته للحلول التفاوضية المطروحة، وهو ما يعني انه لا يمكن للمفاوض الفلسطيني أن يبلور ويقترح الحلول بعيداً عن الدور الأردني.

والجانب الآخر للدور الأردني وهو الأهم أن الأردن قد يشكل حلولا لبعض القضايا الشائكة كقضية القدس، وقضية اللاجئين وقضية الحدود، فالأردن تحكم علاقاتها بإسرائيل معاهدة سلام تنظم الحدود، وتعالج الدور الأردني بالنسبة للقدس, بل إن هذه المعاهدة فعاليتها من عدمها تتوقف على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ويمكن ان تشكل هذه المعاهدة نموذجاً للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.

ولعل من أهم أبعاد الدور الأردني في أي مفاوضات قادمة رفض الأردن لأي حلول بديلة لحل الدولتين، مما لهذا الموقف من تأثير فعال على دعم الموقف الفلسطيني للدولة الفلسطينية، ورفض فكرة الوطن البديل التي تروج لها إسرائيل، هذا الموقف الأردني كفيل بإفشال ما تسعى إسرائيل لفرضه بالقوة على الفلسطينيين.

ويمكن النظر للدور الأردني كطرف مؤثر على المستوى الإقليمي والدولي، فالعلاقات التوافقية للأردن مع الدول العربية وخصوصاً مصر والسعودية ودول الخليج العربي يمكن أن توفر غطاءً عربياً داعماً للمفاوض الفلسطيني، وأن يلعب الأردن دوراً توافقياً وتصالحياً في العلاقات الفلسطينية العربية كما رأينا استعادة العلاقات المصرية الفلسطينية.

وعلى المستوى الدولي رأينا الدور الذي يقوم به الأردن في علاقاته مع الولايات المتحدة وأوروبا، وكيف كان للدور الأردني تأثيره في إقناع إدارة الرئيس الأمريكي ترامب تأجيل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وكيف ساهم في فتح نافذة علاقات مع الفلسطينيين بالاتصال الهاتفي بين الرئيس الأمريكي والرئيس محمود عباس، والتمهيد الرئيس الأخير للبيت الأبيض.

وللدور الأردني جانب مهم يتعلق بجوهر العملية التفاوضية ذاتها، من حيث توفير عوامل نجاحها، أو توفير العوامل أو البيئة لعملية مفاوضات متوازنة تقوم على مفهوم المصالح المشتركة بدلاً من قاعدة القوة التي تمارسها إسرائيل على المفاوض الفلسطيني، وفي هذا السياق يمكن ان يوفر الدور الأردني مقومات نجاح المفاوضات مثل قاعدة الندية والتكافؤ والشرعية والمرجعية للمفاوضات وهي التي كانت سبباً في فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ليس معنى هذا تدخلاً مباشراً أو القيام بالدور البديل للمفاوض الفلسطيني، ولكنها استراتيجية التفاوض بلسانين وعينين وأذنين، يوفرهما الأردن للمفاوض الفلسطيني، وهو ما يعني عين وأذن للمفاوض الفلسطيني مع الأردن وهو يفاوض إسرائيل، وهذا ما يمنحه الدعم. 

والدور الأردني هنا ليس بعيداً أو منفصلاً عن الدور العربي المصري والسعودي والخليجي الداعم للمفاوض الفلسطيني، وهو شرط مسبق وضروري للذهاب للمفاوضات في مرحلة من أصعب مراحل التفاوض، لأنها مرحلة مطالبة الفلسطينيين بتقديم التنازلات وهنا يبرز مفهوم جديد أو استراتيجية جديد للحيلولة للتنازلات، بربطها بالموقف العربي، فالتنازلات لا بد وان تمس الأردن كدولة وتمس أمن الدول العربية الأخرى، ولذلك الربط بين التنازلات التي يطالب بها المفاوض الفلسطيني والموقف الأردني والعربي كفيلة أن تفشل كل محاولات إسرائيل والإدارة الأمريكية، وتحقق قدراً من التوازن لأي مفاوضات قادمة.

وهو ما قد يفسر لنا الدور الأردني كدور ضاغط على الجانب الإسرائيلي، ويوصف هذا الدور الذي يمكن أن تقوم به الأردن بالدور التكاملي والمتمم للدور الفلسطيني، فهو دور يواكب كل مراحل العملية التفاوضية من مرحلة التفاوض وتهيئة البيئة التفاوضية المتوازنة، لمرحلة التفاوض وتقديم الحلول الإبداعية المساعدة، وفي مرحلة الاتفاق بالدور الأردني الضامن والحاضن وفي مرحلة ما بعد التفاوض والتي تحتاج لدور أردني أكبر في مرحلة قيام الدولة، ومرحلة التنفيذ لما يمكن ان يتم الاتفاق عليه، فلا تنفيذ لأي التزامات تفاوضية دون الدور الأردني.