المؤرخ البلجيكي لوكاس أثناء استعراضه للمعرض (أرشيف)
المؤرخ البلجيكي لوكاس أثناء استعراضه للمعرض (أرشيف)
الجمعة 24 مارس 2017 / 16:58

المؤرخ لوكاس كاترين يحل ألغاز الحرب العالمية الأولى في كتاب جديد

24 - عماد فؤاد

بعد رحلة طويلة مع الكتابة التاريخية عن الحضارة العربية والإسلامية ورصد أفضالها على العالم الغربي، يصدر المؤرخ والباحث البلجيكي الفلمنكي لوكاس كاترين، كتابه الجديد المعنون "خنادق في أفريقيا 1914 – 1918)" بالتزامن مع الاحتفالات الأوروبية الكبيرة بمناسبة مرور 100 عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى،.

وكما هي العادة في كل إصدار له، يفتش لوكاس كاترين في المسكوت عنه من التاريخ ليعريه ويظهره للعيان، كاشفاً عن صفحاته المطموسة عن عمد، تلك الصفحات التي لا يقترب منها المؤرخون الأوروبيون الآخرون كي لا يظهروا الوجه القبيح لأوروبا، ذلك الوجه الذي يرون أنه يجب أن ينسى بوصفه ماضياً لا يعوّل عليه.

وفي كتابه "خنادق في أفريقيا"، يقدّم لوكاس رؤية مختلفة لمشاركة بلجيكا في الحرب العالمية الأولى وتوسّعاتها الاستعمارية في أفريقيا، كاشفاً عن أسرار جديدة في هذه الحرب التي غيّرت شكل العالم، فمنذ العنوان الفرعي لكتابه: "الحرب المنسيّة بين الكونغوليين والألمان" يضعنا المؤرخ المتخصّص في التاريخ الاستعماري لأوروبا على أعتاب فض أحد الألغاز التي خلّفتها هذه الحرب العظمى، وهو لغز استمرار القصف والغارات الجوية بين القوات البلجيكية وما تبقّى من القوات الألمانية في وسط أفريقيا لمدة 8 أعوام، بعد إعلان نهاية الحرب العالمية يوم 11 نوفمبر(تشرين الثاني) سنة 1918.

ويكشف عن أن بلجيكا كانت تحتل حينذاك الكونغو ورفضت أن تلتزم بوقف إطلاق النار، بل واستمرت في الهجوم على ما تبقى من الجيش الألماني بمساعدة آلاف الجنود الكونغوليين، وهو ما أسفر فيما بعد عن اتساع رقعة المستعمرات البلجيكية في أفريقيا، لتضيف إلى الكونغو كلاً من روندي وبوروندي لتصبح المستعمرات البلجيكية في أفريقيا أكبر من مساحة بلجيكا ذاتها خمس مرات.





ولا يتوقف لوكاس عند هذه النوعية من الحقائق التاريخية المسكوت عنها في التاريخ للحرب العالمية الأولى، والتي غضّ المؤرخون الأوروبيون الطّرف عنها عن عمد، بل يقدم كذلك رؤية تاريخية واجتماعية للأحوال الإنسانية التي كان يعيشها الجنود الكونغوليين خلال هذه السنوات الـ8 من الحرب المتواصلة ضد القوات الألمانية في أفريقيا.

ويرصد معاملة القوات البلجيكية للجنود الكونغوليين المصابين جرّاء هذه الحرب، والذين عوملوا بطريقة غير إنسانية وبقى التحيز العنصري ضدهم هو الأساس في المعاملة، فكانوا يُعتبرون مصابي حرب من الدرجة الثانية، مقارنة بالمصابين البلجيكيين الذين كانوا يتلقون العناية الطبية اللازمة، وكما رفضت القوات البلجيكية أن تدخل الجنود الكونغوليين إلى بلجيكا للعلاج خوفاً من احتكاكهم بالنساء البلجيكيات.

ويؤرخ لوكاس كذلك في كتابه للحرب العالمية الأولى باعتبارها الحرب التي دشّنت أول الحروب الصناعية الكبرى بين الدول العظمى، مستشهداً في ذلك بمقولة السير جون كونس، الذي كان مسؤولاً خلال الحرب العالمية الأولى عن الخدمات اللوجستية للقوات البريطانية، حيث قال في بيان شهير له بعد انتصار القوات البريطانية: "لم تكن هذه الحرب بين جيوش دول، بقدر ما كانت حرباً بين العقول المدبّرة التي تقف خلف هذه الجيوش، عقول الإداريين والصناع ومديري توزيع الأغذية على الجنود والمقاتلين، الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية لم يكن لها الأثر الأكبر في حسم هذه الحرب، بل انتصرنا لأنّنا امتلكنا التفوّق في صناعة معدّاتنا العسكرية وقدرتنا السريعة على تحريك جيوشنا وقطعنا الحربية بسرعة أذهلت الأعداء، ولا أقلّل هنا من شجاعة جنودنا وبسالتهم، لكنّني أشير إلى أهمية التفوق الصناعي في حسم حروب المستقبل".

وصدر الكتاب بالتزامن مع معرض فوتوغرافي ضخم بمدينة أوستنده البلجيكية الساحلية حمل عنوان الكتاب ذاته "خنادق في أفريقيا (1914 – 1918)"، ضمّ ما يقرب من 80 صورة فوتوغرافية نادرة للحرب البلجيكية ضد القوات الألمانية، وكالعادة لا نرى في الصور الفوتوغرافية المعروضة سوى حرب نظيفة، فلا وجود لجثث جنود ولا لضحايا قصف ولا لمصابين ينقلون إلى المشافي الحربية، وهو ما يشرحه لوكاس بنفسه خلال 3 جولات يومية لرواد المعرض، مشيراً إلى الحكمة المعروفة "يُكتب التاريخ دائماً بيد الأقوى، لا بيد الضعيف".