صورة تعبيرية. (أرشيف)
صورة تعبيرية. (أرشيف)
الجمعة 24 مارس 2017 / 19:56

ميدالية للخاسر

تجلس في حضرة ذلك الذي تدري أنه يتحكم في أتفه تفاصيل حياة زوجته، ويقفل كل الأبواب في وجه صغيرته، ويزرع أفكار التفوق والأفضلية في رأس ابنه، فتسمعه يصف نفسه بـ "نصير المرأة"، ليتبيّن لها أنه يمنّ عليها بـ"سماحه" لها بنيل العلم أو الوظيفة.

وهنا تعضّ أختنا النسوية على لسانها الطويل حتى يتورّم، لأنها ابنة ثقافةٍ لقنتها كيفية الحفاظ على هشاشة "الايجو" الذكوري. هي لا تأمره بأكل التبن-أكرمكم الله- لسببٍ بسيطٍ:

من الواضح بأنه ليس ضد "نصرة المرأة" كمبدأ، بل يعده شرفاً عظيماً. كل ما في الأمر أن حُسن نيته وطيبته ورغبته في المساعدة ضاعت في ظل سيطرة جهله وقلة وعيه وسذاجته على عجلة القيادة.
وهنا يصبح من الأجدر بها كنسويةٍ تنظّم سير عقلياتٍ تسير بسرعة الحلزون أن تستغل -على الأقل- توجهّه في الاتجاه الصحيح، وتحفّزه بالدعم والتشجيع والاحتفاء، عوضاً عن أن تكتب له مخالفة إطلاق لقب "نصير المرأة" على نفسه دون وجه حقٍ، وتسحق بقسوتها المفرطة مسيرته الناشئة في طريق الحقوق.

وأمام هذا المبرر، لا يسعني إلا أن أتذكر نشئاً من نوعٍ آخر، يقطنون في عالمٍ آخر.في الغرب، ذلك الموبوء بحاجته إلى الطبطبة على مشاعر الجميع، أصبحت العادة المستحدثة في بعض المدارس والنوادي هي أن يخرج كل الأطفال المشاركين دون استثناءٍ بجائزةٍ من نوعٍ ما، ليعودوا جميعا إلى بيوتهم منتصرين، ويُستقبلوا استقبال الصليبيين.

وأنا قطعاً لا أمانع أن يُكافئ أصحاب المركز الثاني والثالث والرابع والخامس، أولئك الذين أحسب نفسي أجاهد من بينهم. لقد ناضلوا وإن لم يُوفقوا، ويستحقون أن يُساندوا ويُشد من أزرهم.
في نهاية المطاف، نحن جميعنا باختلاف الجنس والعرق والثقافة والدين نخوض ماراثوناً عسيراً للتخلص من مفاهيمنا البائدة، والتأقلم مع قياسات وعينا الجديد، فاحتقار كل من لا يتوّج بالبطولة لن يخلق لنا سوى فُرقاً من المُحبطين والمُثبطين والمُستسلمين.

ولكن ما هي الصورة التي ننقلها للآخرين عن سباقنا لاستعادة الحقوق ونشر الوعي حين يخرج صاحب المركز العاشر -ذلك الطفل البدين الذي وصل إلى خط النهاية مشياً- بميداليةٍ حول عنقه المُكتنز، متساوياً مع من قاتلوا بشرفٍ للحصول عليها؟

نحن نخبرهم بأنها قضيةٌ هامشيةٌ سخيفةً تافهةٌ، لم تفلح في أن تترك أثراً حتى على نظام حياة وفكر صاحب المركز الأخير، وأقل المشاركين جديةً وانضباطاً وقدرةً. إنه لم يتدرب على احترام حق حواء في الاختيار، ولم يسعَ إلى أن يقفز فوق حواجز أفكاره وعاداته وتقاليده المتوارثة، ولم يلتزم بالحمية التي تمنعه من تناول المفردات والنكات والصور النمطية التي تقلل من المرأة، وعلى الرغم من ذلك، خرج متقلّداً لقب "نصيرها" حول عنقه، والذي هو بدوره لا يمكن إلا أن يكون ذهباً "فالصو".

أخبريني، ألا زلتِ تؤيدين مجاملة ومداهنة حسن نيته المزعومة؟