من أحد اجتماعات القمة العربية. (أرشيف)
من أحد اجتماعات القمة العربية. (أرشيف)
الإثنين 27 مارس 2017 / 20:06

هل نكون أحياء في البحر الميت؟

رغم تأكيد النظام العربي ومعه ومنه الرسمية الفلسطينية على التمسك بالحل السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإن الرؤية غائمة حول شكل هذا الحل وكيفية التوصل إليه مع عدو يرفض التسوي

على شاطئ البحر الميت في الأردن يلتقي الزعماء العرب يوم الأربعاء في قمة عادية تجعلها الملفات المطروحة فيها استثنائية بكل المقاييس، وتجيء في ذروة التصعيد العسكري في الحروب المشتعلة في أكثر من بلد عربي، وفي ذروة الاحتقان والإحباط واليأس في الشارع العربي الذي يعاني الآن من نتائج ربيعه المسروق بعد أن عانى عقوداً طويلة من سوءات النظم وقمعها.

ورغم الديباجات الإنشائية الباهتة التي تحاول تزيين الواقع العربي، وتؤكد على وحدة الأمة في مواجهة الأخطار والتحديات وقدرتها على النهوض والالتحاق بركب النمو والتطور في العالم، فإن الواقع يؤكد أن الحال العربي ليس على هذا النحو من القوة والانسجام، بل إن العرب لم يكونوا في تاريخهم الطويل مختلفين حد التناقض مثلما هم الآن، بعد أن انتقلوا من حالة القتال دفاعاً عن النفس إلى حالة التقاتل المدفوع باصطفافات سياسية أو طائفية وحساسيات غير مبررة، وإذا كانوا لم يفعلوا الكثير في حالة القتال دفاعاً عن الذات فإنهم يبلون بلاء حسناً في حروبهم البينية وفي اقتتالهم المريح لكل المتربصين بالأمة.

سيكون التمثيل في هذه القمة رفيعاً بعكس اللقاءات السابقة التي غاب عنها الكثير من الزعماء وكان التمثيل فيها متدنياً، وسيحضر سبعة عشر زعيماً عربياً قمة البحر الميت بحسب ما نشر في وسائل الإعلام الأردنية، ولا شك في أن هذا الحضور يعكس جدية في الاهتمام بمعالجة الملفات المطروحة على طاولة البحث في الاجتماع أو الاجتماعات المغلقة للقادة العرب.

وستكون الملفات المفتوحة صعبة الإغلاق بالإجماع أو بالتفاهمات على حلها، فالقضية الفلسطينية التي يريد الأردن ومعه دول عربية أخرى أن تظل مركزية وأن تحظى بأكبر قدر من الاهتمام العربي بعد سنوات من انفضاض الرسمية العربية عنها، تواجه في هذه القمة عقبتين أساسيتين تتمثلان في حالة الانقسام الداخلي في الساحة الفلسطينية وفي حالة الانشغال العربي بصراعات أخرى حارقة في أكثر من بلد محوري في المنطقة العربية.

ورغم تأكيد النظام العربي ومعه ومنه الرسمية الفلسطينية على التمسك بالحل السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإن الرؤية غائمة حول شكل هذا الحل وكيفية التوصل إليه مع عدو يرفض التسوية على أساس المبادرة العربية وحل الدولتين ويسعى لضم كل القدس والضفة الغربية ويطرح التسوية من خلال تهجير الفلسطينيين إلى قطعة أخرى من الجغرافيا العربية لبناء دولة، ويبدو أن هذا التوجه الإسرائيلي يحظى بدعم غير مسبوق من الولايات المتحدة في عهد رئيسها الجديد دونالد ترامب.

أما سوريا فإنها حاضرة موضوعاً وغائبة تمثيلاً عن هذه القمة، لذا سيتم فتح الملف السوري من دون حضور أصحابه، ما يعني بالضرورة أن أي قرار عربي بشأن الصراع قي سوريا وعليها لن يكون قابلاً للتنفيذ.

العراق أيضاً أوضاعه مقلقة للنظام العربي، بسبب ارتباط قيادته الحالية بالمشروع الإيراني في الإقليم، وبسبب سياسة التطهير الطائفي التي يتم تنفيذها في العراق ضد المكون العربي السني، لكن ما نلمحه من المواقف العربية المعلنة أن النظام الرسمي العربي الذي يسعى للحسم السريع في سوريا لا يستعجل تطبيع الحياة في العراق، لذا فإن قمة البحر الميت لن تتجاوز في قراراتها بشأن العراق التأكيد على وحدة البلاد والحث على السلم الأهلي فيها.

وكذلك فإن ملف الصراع في ليبيا لا يبدو ملحاً للحسم في هذه القمة، وإن كان النظام الرسمي العربي يتعاطف وينحاز إلى الشرعية وبرلمانها وجيشها. وقد تعلمنا من تاريخ القمم العربية أن الصراعات والقضايا الأكثر حضوراً في هذه اللقاءات هي القضايا المتعلقة بشرق الوطن العربي، ولعل قضية الصحراء الغربية العالقة حتى الآن تثبت ما نذهب إليه هنا.

الملف اليمني هو الأكثر حظوة بالإجماع أو شبه الإجماع العربي، حيث تقف الأغلبية الساحقة من الدول العربية مع الشرعية اليمنية وضد الانقلاب الحوثي. لذا فإن هذا الملف هو فقط القادر على توجيه رسالة سياسية تؤكد قدرة النظام الرسمي العربي على الفعل الحاسم، وتؤكد أن العرب قادرون على أن يكونوا أحياء في البحر الميت.