تنظيف حديقة الحيوانات في دبي.(أرشيف)
تنظيف حديقة الحيوانات في دبي.(أرشيف)
الثلاثاء 28 مارس 2017 / 20:09

فقط في الإمارات

العقاب الذي أقرّه ذلك الحاكمُ الذكي، سوف يحقق حزمة هائلة من المغانم في آن واحد

جزاءُ الخطأ عقابٌ وعذابٌ، لقاءَ ما قدّم الإنسانُ من مخالفة للقانون أو إيذاء للناس. في بعض الظروف قد يكونُ العقابُ قصاصاً بالمثل، على نهج "العينُ بالعين". فمن قتلَ يُقتَل. وفي أحيانٍ أخرى يكون العقابُ بحرمان المرء من حريته، مادام قد أساء استخدامَها. فمن استخدم حريتَه على نحو خاطئ فسرق ما ليس له، فجزاؤه الحرمانُ من حريته بالسجن، مدّةً تطول أو تقصُر، حسب تقدير الشارع. والهدفُ النهائي من العقاب هو ضمانة المجتمع من عدم تكرار الخطأ من المخطئ ذاته، وردع المخطئ "المحتمَل" لئلا يُخطئ مخافةَ العقاب، وتأمين الأبرياء وطمأنتهم بوجود عقاب للخارجين عن القانون، حتى يسودَ النظامُ ويعمَّ السلامُ والأمان. لكن الأصل في الأشياء أن العقاب ليس لوناً من السادية هدفها تعذيب المخطئ والتنكيل به، بقدر ما هو تنبيهٌ له أن للمجتمع عيونًا ساهرة لن تسمح له، أو لغيره، بالتجاوز في حق الناس.

لكن آية آيات التحضّر حين ينجحُ الحاكمُ في تحويل "مخطئ" خارج عن مظلّة التحضّر، إلى شخصٍ فاضلٍ كريمٍ له أيادٍ بيضاء على الناس والمجتمع.

فقط في دولة الإمارات العربية المتحدة، يحدث هذا. التفكيرُ "خارج الصندوق"، وهو نهجُ حكّام الإمارات بدايةً من الشيخ زايد وحتى آله وأبنائه، الآن قد تخطّى مرحلةَ الحرص على رغد المواطن وإسعاده وإغراقه في الرغد الإنساني والمعنوي والأدبي والاقتصادي، إلى ما هو أبعد من ذلك. وصل ذلك النهجُ المحترم إلى مرحلة "إسعاد" حتى المخطئ والخارج عن القانون، وإعادة إعمار روحه، بتحويله إلى مواطنٍ إيجابيٍّ فاضل فعّال مانحِ الخير والفرح لمن حوله، بعدما كان قبل برهةٍ صغيرة، مواطناً سلبياً غير فاضل سارق الفرح والأمان من قلوب الناس.

في الإمارات، جاء بعضُ الشباب بفعل مشين أثار استياء الناس. ألقوا قطة لبعض الكلاب الجائعة لتنهشها حيّةً في مشهد مأساوي يُخجلُ الإنسانَ أمام إنسانيته. وأما قانون الرفق بالحيوان في دولة الإمارات فيقضي بمعاقبة أولئك الآثمين بالسجن عاماً، عطفاً إلى غرامة مالية. ولكن الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبيّ، أوقع بالآثمين عقوبة أرقى وأسمى. جعلهم ينفقون من يومهم، وعلى مدى شهور ثلاثة، أربع ساعاتٍ يوميّاً لتنظيف حديقة الحيوان في دبي. العقاب الأول الذي يُقرّه القانونُ بالحبس والغرامة، ربما يردعُ المذنب ويمنعه من تكرار ما فعل، وربما يدفعه حُنقه إلى تكرار تلك الفعلة الوضيعة على نحو أشرس بعدما يأخذ الحِيطةَ ألا يراه أحد، لكنه أغلب الظن سوف يجعله حانقًا على جنس الحيوان الذي تسبب في حبسه وتغريمه مالا. لكن العقاب الذي أقرّه ذلك الحاكمُ الذكي، سوف يحقق حزمة هائلة من المغانم في آن واحد. أولا، سيجعل المخطئ يعرف قيمة الحيوان ومكانته لدى المظلة الإنسانية حين يدفع من عمره ٣٦٠ ساعة (٤ ساعات x ٣ شهور) في تنظيف أماكن عيش تلك الحيوانات التي احتقرها وعذّبها وأهلك روحها دون مبرر. وثانياً، تلك الساعات الطوال التي سوف يقضيها في صحبة تلك الكائنات اللطيفة، سوف تقارب بينه وبين عالم الحيوانات حين يرقبها في لحظات صحوها ونومها ولعبها وسكونها وصخبها وأمومتها ووداعتها وشراستها، فيتأمل عظمة الله وعبقرية خلقه ومخلوقاته، ما يُزيد من حبّه للحيوان واحترامه لذلك العالم السحري الآسر: عالم الحيوان. وثالثًا، عبقرية ذلك الرقم (٣٦٠)، الرقم الدائري الملغز كما يفهمه أربابُ الرياضيات، وكأنما أراد الشيخ محمد أن يقول للمخطئ أن الكون دائرة، وأن للحيوان ما للإنسان من حقوق، وأن تعذيبه حيواناً أعجم لا حول له ولا قوة، لا يمرُّ مرور الكرام، وعلى المذنب تدور الدائرة. ورابعًا، ما جدوى حبس مخطئ وخسارة جهده في مقابل الجدوى من عمله في تنظيف ما يجب تنظيفه في منشأة عامة يفيد منها الناس؟ إنها فلسفة تحويل الرذيلة إلى فضيلة، وتحويل الإيذاء إلى خدمة مجتمعية رفيعة، وعبر كل هذا، تُسرّب الرسالةُ السامية التي يحرص عليها صُنّاع القرار في الإمارات منذ خمس وأربعين عامًا: نبذ كل أشكال العنف والقسوة والسلوكات غير الحضارية، فقط في الإمارات، ذلك الكوكب المدهش.