رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني.(أرشيف)
رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني.(أرشيف)
الثلاثاء 28 مارس 2017 / 20:04

عقدة الحكومة المغربية

يسعى الحزب إلى تفصيل قانون انتخابات على مقاسه يتيح إعادة النظر في "التقسيم الانتخابي" و"العتبة الانتخابية" بالشكل الذي يسمح بدخول أحزاب صغيرة إلى البرلمان ومشاركتها في الحكومات

يدخل المغرب طوراً جديداً من صعوبات التعايش بين الإسلاميين وبقية الطيف السياسي، مع الاختراق الذي أحدثه سعد الدين العثماني في استعصاء التشكيل الحكومي بعد وصول سلفه عبد الاله بنكيران إلى طريق مسدود.

بين مظاهر تناسل العوامل المساعدة على ديمومة التجاذبات بين أطراف المشهد السياسي المغربي ـ رغم تغيير رئيس الحكومة المكلف ـ ضيق الهامش الذي حدده حزب العدالة والتنمية للعثماني قبيل انطلاق مشاورات التشكيل.

في تطور لافت للنظر، أعلن الحزب بعيد التكليف الثاني تمسكه بتصوره لتشكيل الحكومة وأبقى على استثناء بعض الاحزاب من المشاركة. تبع الاعلان تصريحات تؤكد تمييز العدالة والتنمية بين مشاورات العثماني مع الأحزاب وإشراكها في الحكومة أو حتى التفاوض معها في إشارة واضحة لاحتفاظ الحزب بالخطوط الحمراء التي قيدت بنكيران وأدت الى تنفير أحزاب فاعلة .

أمام هذا التشدد انحسرت حصيلة التغيير الناجم عن اعفاء بنكيران وتكليف العثماني في المنهجية المتبعة في التشاور مع الأحزاب الفائزة بالانتخابات لتبقى دون حدود البحث عن تفاهمات تؤسس لانفراج حقيقي.

ولم يكن نجاح العثماني في تجاوز العقبات التي يضعها حزبه ممكناً لولا تدخل الملك محمد السادس ووصول العدالة والتنمية إلى قناعة بعدم امكانية تجاوز عقبة التشكيل مع احتفاظه بشروطه الأمر الذي يمكن تفسيره بصعوبات يواجهها الحزب في التفاعل مع الأزمة التي أبقت البلاد بلا حكومة خلال الاشهر الماضية ومن شأن هذا التفسير الابقاء على شبهة رغبة الحزب في الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الحقائب الوزارية.

في المقابل، لا تخلو جعبة الحزب من مبررات لتعويم أزمة تحديد أولوياته بين "الفئوي" و"الوطني" التي تفضي في العادة إلى عجزه عن التفاعل المطلوب لتجاوز الأزمات.

تكمن أبرز المبررات المتداولة منذ سنوات في ايحاءات خطاب العدالة والتنمية بعصي يضعها "المخزن" في دواليب الحكومة وتحكم رموز حزب الأصالة والمعاصرة في مفاصل الدولة، مما يعيد إلى الاذهان حديث الرئيس المصري السابق محمد مرسي حول الدولة العميقة.

من خلال هذه المبررات وغيرها يسعى الحزب إلى تفصيل قانون انتخابات على مقاسه يتيح إعادة النظر في "التقسيم الانتخابي" و"العتبة الانتخابية" بالشكل الذي يسمح بدخول أحزاب صغيرة إلى البرلمان ومشاركتها في الحكومات.

مبررات الحزب ومساعيه تتآكل أمام إصرار القصر على إحلال الثقة بين مكونات المشهد السياسي المغربي، من خلال تكريس احترام الدستور الذي أخذ عدة مظاهر بينها تكليف شخصية ثانية من حزب الأغلبية بتشكيل الحكومة والتريث في التوجه إلى انتخابات جديدة لإنهاء الاستعصاء وتجاهل مذكرة الأصالة والمعاصرة التي دعت إلى تكليف ثاني الأحزاب الفائزة بالتشكيل الحكومي.

يحد ارتباط ظروف تشكيل الحكومة المغربية بجوهر تفكير الإسلام السياسي من إمكانية التعامل مع نجاح العثماني في تجاوز الاستعصاء وتجنب التوجه إلى انتخابات نيابية مبكرة باعتباره مؤشراً على استقرار العلاقات تحت قبة البرلمان المغربي أو إحلال أجواء التفاهم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما يقلل من فرص الاستجابة لرغبة القصر في حكومة قادرة على القيام باصلاحات اقتصادية واجتماعية تحتاجها البلاد خلال السنوات القليلة المقبلة.