سد الطبقة.(أرشيف)
سد الطبقة.(أرشيف)
الثلاثاء 28 مارس 2017 / 20:14

حجر داعش تحت سرير الرقة

تحت كل فرد من أبناء الرقة، والنازحين إليها، حجر اسمه داعش، وهم في انتظار من يساعدهم كي ينقلبوا عنه، لكن ليس بقصفهم كي يتفتت داعش من تحتهم

على مشارف الرقة من الشرق، أصبحت "قوات سوريا الديموقراطية" ذات المكون الكردي الطاغي على أطراف المدينة (ما بين 3 كيلومتر وسبعة كيلومترات)، ومن الشمال على بعد ستة كيلومترات، دون أن تجرؤ حتى الآن على اقتحامها. أما في غرب المدينة، فلا تزال في أطراف مدينة "الطبقة" (50 كيلومتراً)، بعد تمركز تلك القوات مدعومة من جنود أمريكيين في المحمية الطبيعية في "جزيرة عايد كبير"، وسط أنباء عن هروب عناصر داعش من مدينة السد، ومن قرية الطبقة، وإخلاء المدينة الجديدة التي أنشئت في سبعينيات القرن الماضي لسكن العاملين في السد، والخبراء الروس (وقتها).

أما الإشاعات التي سرت بشكل مرعب عن الخطر الذي يتهدد السد (السبت)، فيبدو أنها غير دقيقة، ولا يوجد دليل على استهداف مدفعية "قسد" للسد بشكل مباشر، أو دليل على استهداف طيران التحالف لجسم السد. ورجح إعلاميون أن يكون استهداف مولدات الكهرباء هو ما أعاق فتح عنفات السد لتمرير المياه عبر السد من البحيرة إلى مجرى النهر.

وبرر بعض الناشطين سريان الإشاعة بحرب إعلامية شنها داعش على القوات المهاجمة، من خلال مكبرات الصوت في شوارع المدينة، ما دفع عدداً من الأهالي والتجار إلى إغلاق بيوتهم ومحلاتهم والخروج من المدينة، قبل أن ينفي داعش صحة الإشاعات، ويعود هؤلاء تدريجياً إلى المدينة مع حلول مساء أمس السبت.

ومن أطرف التحليلات التي تداولها أصدقاء على فيس بوك أن داعش أغلق عنفات السد كي يزداد منسوب مياه البحيرة جنوب غرب مدينة الطبقة في "المحمية" لتغرق القوات المهاجمة، أو كي تعيق المياه تقدمهم في اتجاه المدينة. بالطبع، هذا التفسير، إن كان داعش قد فكر به، نوع من السخرية، فمثل هذا الأمر يحتاج إلى أسابيع كي ترتفع مياه البحيرة للدرجة التي تُغرق "قسد". لكن قسد كانت خلال ساعات من الإنزال الجوي الأمريكي في محيط مطار الطبقة العسكري، حيث لم تجد فيه مقاومة تُذكر من داعش، فاستولت على أكثر من 50% من مساحته، دون تأكيد حتى الآن إن كانت سيطرت على حضائر الطائرات ومدرجيه الوحيدين.

وفي ما يتعلق بسد الفرات، فهو مصمم لتحمل زلزال بقوة سبع درجات على مقياس ريختر، ما يعني أن ضربة خاطئة لن تؤثر عليه. وما لم تكن الضربات متلاحقة ومركزة، ونووية ربما، فلن تشكل خطراً على جسم السد الكونكريتي. وحتى أضرار جزئية في السد لن تؤدي إلى انهياره، وحدوث السيناريو المرعب لارتفاع المياه فوق الرقة 16 متراً، وأربعة أمتار فوق ديرالزور والميادين، ووصول خطر المياه الجارفة إلى مدينة الرمادي في العراق.

وحتى قبل سريان إشاعة انهيار السد، كان أهالي الرقة يحاولون الهروب إلى خارج المدينة، وتحديداً إلى الشرق، أو الغرب. فالتوجه إلى الشمال، أو الجنوب، ممنوع من داعش، ولا وسيلة إلى ذلك سوى بالاستعانة بالمهربين، حتى وصل "سعر" تهريب الشخص الواحد إلى 700 ألف ليرة (أكثر من 1200 دولار)، بعد أن كان قبل أسبوعين حوالي 300 دولار للشخص، وقبل شهرين حوالي 70 ألف ليرة. وساهم في ارتفاع الأسعار الأنباء عن قرب اقتحام الرقة، واعتقال داعش أربعين مهرباً للحد من نزوح الأهالي من المدينة.

الآن، كل المعطيات الواردة من هناك تدل على معركة شكلية في الرقة، فخروج عائلات داعش من المدينة باتجاه ريفي حمص وحماة، وبوادر الخوف والتململ من المنتسبين إلى داعش من عشائر الرقة، تدل أن التنظيم في طريقه إلى الانهيار من الداخل. إضافة إلى أن جغرافيا الرقة، وتركيبتها السكانية مختلفة تماماً عن الموصل، وما لم يستطع تحالف القوى المهاجمة للموصل تحقيقه هناك في أشهر قد يتحقق في الرقة خلال أسابيع، كون المدينة مكشوفة تماماً أمام المدفعية، والطيران، ولأن ما لا يقل عن 70% من المتواجدين في المدينة الآن هم من النازحين من مدن أخرى إلى الرقة، ما يعني أن 70% من سكان المدينة الأصليين نزحوا إلى مدن أخرى تحت سيطرة النظام، أو لجؤوا إلى تركيا، أو وصلوا إلى أوروبا. وهذا يعني نفياً شبه تام لتقرير معهد واشنطن عن انخراط أبناء عشائر من الرقة في البنية الصلبة للتنظيم. صحيح أن مئات، أو آلاف، أبناء العشائر انضموا إلى التنظيم، لكن ذلك لا يشكل ظاهرة، في ظل عدم يقين هؤلاء الأفراد من حياتهم الاقتصادية، وجنوح بعضهم إلى الاستقواء بسلطة الأمر الواقع، أو هي حالة استرزاق، بكل بساطة.

هذه النسبة مقدرة قياساً إلى عدد أفراد عائلتي الذين بقي منهم في الرقة 5 أفراد من 22 فرداً، وقياساً إلى عدد من العائلات التي أعرفها جيداً، وتعرضوا إلى الشتات نفسه.

"السيارات الدعوية" لداعش تجوب الشوارع، وتحاول ثني الأهالي عن التفكير بالنزوح، ومضمون ما تبثه "كل إنسان سيموت، أينما كان، وفي أي وقت".

روى لي أخي الذي وصل تركيا قبل شهور فصولاً من يوميات خروجه من الرقة مع زوجته وطفلتيه، وكيف أقنعه المهرب أنهم سيمشون فقط ربع ساعة، وأن الطريق آمن "مشينا من السادسة مساء حتى الواحدة ليلاً في أرض حجرية، وأنا أحمل طفلتي وحقيبة ثياب على ظهري، بينما حملت زوجتي طفلتي الأكبر. وبعد تلك الساعات، وصلنا إلى نقطة قريبة من أعزاز شمال حلب، وبدأ فيها إطلاق النار من قبل الجيش السوري الحر، فاختبأنا في كرم زيتون حتى الخامسة صباحاً. نمنا هناك، ومن شدة التعب حاولت أن أعدل وضعي كوني استلقيت على حجر، فلم أستطع"!

هذا هو الحال عموماً، فتحت كل فرد من أبناء الرقة، والنازحين إليها، حجر اسمه داعش، وهم في انتظار من يساعدهم كي ينقلبوا عنه، لكن ليس بقصفهم كي يتفتت داعش من تحتهم.