صورة للملوك والرؤساء العرب في القمة العربية في البحر الميت.(أرشيف)
صورة للملوك والرؤساء العرب في القمة العربية في البحر الميت.(أرشيف)
الجمعة 31 مارس 2017 / 19:01

الأردن المبادر.. يجمع الأحلام ويعيد البريق

هي أم الكساسبة الذي مارست داعش تجاهه الوحشية المؤلمة، ومن ناحية هي اليد الطولى في القضية الفلسطينية، وهي معبر الحوار، وهي المبادرة الأكثر كفاءة لمواجهة التطرف والإرهاب

اجتماع القيادات، في زمان الديبلوماسية المتعددة، والأخبار المطولة، صار عادة، قد لا تلفت الأنظار، ولكن هذه المرة، كان اجتماع العرب مبادرة فوق العادة، بالرغم من أنه جاء في قمة عربية عادية، ولكن المضيف والمكان كانا بقدر التحدي، فكيف نجح أردن الملك عبدالله الثاني بن الحسين، في أن يصير بالقمة أولاً، وبالأردن بطلاً، وما هي الملفات؟

العرب في سياق التحدي، يعرفون ماذا يعني إبقاء جراح سوريا واليمن والعراق وليبيا مفتوحة، ويدركون أن الفشل في إدارة ملفات الأزمة لن يؤرقهم هم فحسب بل سيجر معهم كل المستقبل، فهذه الجراح البالغة تتسبب بالحاق الأذية بالنسيج المناعي للمنطقة كلها، وتحوّل مصادر العلاج إلى داء مخيف، كالجينات المتطوّرة باطراد في سلسلة الأمراض الخبيثة، فما هو الحل؟ الحل كان بين ثنايا الكلمات الشجاعة التي وضعت يدها في الداء، والمتطلبات التي تريد أن تظهر القدرة على سباق التاريخ والأمل بأن يوجدوا مخارج لتحدياتهم، مخارج شجاعة. ولكن هل يشعر الأردن بالوجع لتستطيع تحمّل الحل؟

نعم الحل يتوفّر للأردن لأنه يطلّ على كل المشاكل العربية، ففي ناحية هي أم الكساسبة الذي مارست داعش تجاهه الوحشية المؤلمة، ومن ناحية هي اليد الطولى في القضية الفلسطينية، وهي معبر الحوار، وهي المبادرة الأكثر كفاءة لمواجهة التطرف والإرهاب، يكفيك أنها تتقدم يومياً بمراحل، وديبلوماسيتها قادرة على أداء عال رفيع، يخدم أهداف المنطقة، ولا أدل على ذلك إلا كخطاب الملك الأردني للبرلمان الأوروبي قبل سنوات، وهو المقطع الأكثر تداولاً. لأن الأردن قادر أن يكون الأكثر تفاؤلاً.

تعوّد المشاهد العربي على ممارسة الانتقاد الكسول، وتصيد الأخطاء بسلبية، ولكنّ شجاعة الكاميرا هذه المرة، ووضوح الكلمات المرحبة والأليفة، ودقة التنظيم، جعلت كثيراً من المتشائمين مقبلين على قدر مناسب من التفاؤل. هناك عوامل كثيرة أجبرت القمة على النجاح، أولها أن المسائل الملحة تحتاج تصوراً جدياً، يدفع عجلة العمل العربي المشترك إلى الأمام، ويدعم تصورات بناء المستقبل، ويحدد خطر الإرهاب والتطرف والجماعات التي تحتضن هذه الآفة وتتاجر بها.

على أي حال، من المعيب أن يظل الناس معتقلين أنفسهم في مربع "النقد للنقد". وما الذي يمنعنا من أن نحتفل لمجرد اجتماع قيادات الدول العربية، لماذا لا يحق لنا أن نشعر بالارتياح لأن قيادات كل هذه الشعوب يمارسون ما مارسه أجدادهم منذ آلاف السنين حينما كانوا يجلسون في منتديات عكاظ وأسواقهم الجامعة، يقولون الشعر والخطب ويتناولون مهمات الناس، إن مجرد الحفاظ على هذا القدر من الحضور مهم جداً، في معناه الاجتماعي وأثره على الهوية.

كثيرون تعودوا أن يقولوا عقب كل قمة عربية، وماذا لديهم سوى الكلام؟ وكأن المطلوب أن يخترع القادة العرب الذرة في اجتماع! أو يعلنوا اقتلاع شيء، إن هدف هذه الاجتماعات والذي بدأ يتحقق هو المحافظة على الهوية العربية والعقل الجمعي في مسار حل المشاكل، وتأكيد الترابط والتراص، وحماية هذه اللحمة من أن تتفتت، وهو ما نجحت قمة الهاشمي عبدالله الثاني أن تفعله. ولا أدل على ذلك من كلمة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي قال "قبلت الرياض استضافة القمة العربية نزولاً عند رغبة الإمارات". أو الاستقبال المختلف جداً الذي بادر به الأردن في لقائه لقيادات العرب وحكمائه، واصطفاف الناس في الشوارع. هذه المواجبة والاحترام والقيم التي يراها البعض طارئة، هي وحدها ما صنع من العرب أمة في يوم من الأيام.

شكراً للأردن. وشكراً للسعودية. وشكراً للإمارات، وشكراً لكل الدول العربية التي جعلت من العمل العربي المشترك حالة قابلة للأمل. وأعادت الأحلام لكل من يريد.