جويدو مينزيو، الخبير الاقتصادي الإيطالي الذي أخرج من الطائرة.(أرشيف)
جويدو مينزيو، الخبير الاقتصادي الإيطالي الذي أخرج من الطائرة.(أرشيف)
الجمعة 31 مارس 2017 / 19:59

باب الطوارئ

هل تفضّلون أن يُلقى بكم مبكراً من باب الطوارئ على طريقة أخينا جويدو، حيث لا تتيقنون سوى من سقوطكم في عرض المحيط، أم تودون أن تستمروا على مدار الرحلة الطويلة المضنية فنحاول معاً-بعقلانيةٍ وهدوءٍ وتروٍ-أن نحطّ بها بسلام

"أنا لا أقود الطائرة. أنا لا أحدد مقعدي، ولا محيطي، ولا أفراد الطاقم الذين سيقومون بخدمتي. أنا قطعاً لا أقرر وجهتها، ولا سرعة إقلاعها وطيرانها".

لا أدري تحديداً كيف كانت ردة فعل جويدو مينزيو، الخبير الاقتصادي الإيطالي الذي نتذكر جميعاً قصته الطريفة حين أُنزل في مايو من 2016 من طائرةٍ أمريكية بسبب "خربشات" اشتبهت فيها الغبية الجالسة إلى جانبه، ولكن أتمنى أنه كان قد ردد "المانترا" المذكورة أعلاه لنفسه حتى أثبت لهم أن الخربشات مجرد معادلات من صميم عمله.

طبعاً، كان من الظلم أن يُقتاد خارج الطائرة بسبب ادعاء أحمق، ولكن ربما مينزيو كان موقناً بأنه استحق هذا المصير حين تجرأ على كتابة ما لم يفهمه المحيطون به. ربما أدرك بعقله الرياضي أننا لا نستطيع أن نضرب ظروفنا السلبية بسوء تقديرنا، ونتحصّل على نتيجة إيجابية.

ليس أحوَج من مينزيو بهذه "المانترا" سواكم، يا من تودون أن تتحدثوا بلغة لا يفهمها المجتمع، وأن تبقوا رغم ذلك على متن طائرته المحلقة إلى المجهول...دون أن ينبذكم في قاعات الانتظار، ويتهمكم بالإرهاب الفكري، وتهديد قيمه وأخلاقه وأمنه وسلامته.

أتحدث عنكن، أنتن اللاتي تقمن بقفزات نسوية مهوّلة عن سكن المرأة المستقل، وانفرادها التام بتقرير مصيرها، بينما المتلقي يتوهم بأنه المعتصم الذي هب لنصرة المرأة حين يتشدق بـ"سماحه" لشقيقته بالعمل، موصياً سواه من الرجال "الرجعيين المتخلفين" بأن يفرضوا قيودهم على نساء بيوتهم بالحسنى واللين.

أتحدث عنكم، أنتم الذين بتّم تنبشون في الأدلة القرآنية، وتنافحون عن حق المسلمة في الزواج من الكتابي، أو حق المسلم عموماً في الزواج بغير الكتابية، حين لا نزال نتجادل كالعجائز في كل عام عن جواز تهنئة المسلم لزوجته الكتابية ومبادلتها الهدايا.
  
وربما حينها ينطق أكثرنا استنارة ووعياً، ليؤكد بأنّ في الجلوس على حضن "بابا نويلهم" إظهاراً لوسطيتنا وتسامحنا، واستمالة لقلوبهم نحو ديننا.
أتحدث عنكم، يا من ترفعون أصواتكم مطالبين بحق الخادمة في الخروج ونيل الإجازات، بل وحتى إقامة العلاقات العاطفية، بينما يقول الواقع بأني منذ سنواتٍ قليلة، تألمت لكرامة مجموعةً من العمّال الذين افترشوا الرصيف الاسفلتي بانتظار حافلة المواصلات التابعة لشركتهم، فأفحمتني إحداهن بأن "العمالة من ثقافة تستمتع بالاستلقاء تحت أشعة الشمس، فلا إهانة في الموضوع"!

دعونا من المثاليات، خصوصاً التي تفترض بأن ركّاب الطائرة سيهبون ثائرين حين تحاول ثلة قليلة طردنا منها، فالأرجح بأنهم قد اندمجوا مع سماعات عدم الاكتراث حول آذانهم.

ولكني أوجّه سؤالي إليكم، يا من تعتقدون بأنها دعوة للمداهنة وإخفاء القناعات: هل تفضّلون أن يُلقى بكم مبكراً من باب الطوارئ على طريقة أخينا جويدو، حيث لا تتيقنوا سوى من سقوطكم في عرض المحيط، أم تودون أن تستمروا على مدار الرحلة الطويلة المضنية فنحاول معاً-بعقلانية وهدوء وترو-أن نحطّ بها بسلام؟