قوات سوريا الديمقراطية (أرشيف)
قوات سوريا الديمقراطية (أرشيف)
الأحد 2 أبريل 2017 / 15:03

معركة الرقة.. حرب داعش الأخيرة

24 - بلال أبو كباش

تغرق دولة داعش رويداً رويداً بعد توسع لم يدم طويلاً، مع الانتصارات المتوالية للجيش العراقي، فمعاقل التنظيم تسقط واحداً تلو الآخر، حتى وصل الآن التهديد إلى مدينة الرقة التي اتخذها داعش عاصمة له، والتي بدأ حصارها استعداداً لإنهاء أسطورة داعش الدموية.

وتقع مدينة الرقة شمال سوريا، على ضفة الفرات الشرقية، وتبعد 160 كيلو متراً شرقي حلب، بمساحة جغرافية تقدر بـ20 ألف كيلومتر مربع، ويقطنها نحو 200 ألف شخص يعانون الويلات جراء سيطرة داعش على المدينة.

عوامل كثيرة، قد تكون السبب وراء اتخاذ داعش للرقة عاصمة له، أهمها النفط، الذي كان وما يزال مصدراً يمول ويغذي عمليات التنظيم الإرهابية، كذلك سد الفرات، الذي يعد جندياً طبيعياً استراتيجياً يهدد التنظيم بنسفه باستمرار في حال وقوع خطر وشيك قد يهدد كيانه في المدينة الشمالية.

معركة الرقة
شكل تضييق الخناق على تنظيم داعش في الرقة، هاجساً جعل التنظيم يتنبأ بالأسوأ، ليبدأ باتخاذ احتياطاته العسكرية، مع اقتراب موعد المعركة التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية، بدعم أمريكي، والتي تهدف للإطاحة بعاصمة داعش في سوريا، ليصبح التنظيم بلا دولة أو عاصمة، ما يعجل بطمس هويته الإرهابية.

وفي الآونة الأخيرة، تزداد وتيرة الاشتباكات بين التنظيم من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى، بهدف محاصرة المدينة، وقطع الإمدادات الرئيسية عن التنظيم، الأمر الذي يأتي بردة فعل سريعة قد تعجل بسقوط المدينة في فترة أقصر من تلك العملية التي تجري بالموصل، وكذلك بخسارة أقل في الأعداد والعتاد.

تحضيرات مسبقة
على غرار معركة الموصل، أغرق داعش عاصمته الرقة بالسواتر الترابية والجدران الرملية، جاعلاً التحصينات مضاعفة على أطراف المدينة الشمالية والشرقية، للتصدي لضربة استباقية تهدد حدود عاصمته. وكعادته لم يبدع التنظيم الإرهابي في ابتكار أساليب جديدة تحاكي خصومه اللذين يملكون معدات أكثر قوة وفتكاً، ولكي يوسع التنظيم مدى تحصيناته الدفاعية، اتخذ السكان هذه المرة درعاً مادياً بعد أن اعتاد على جعلهم دروعاً بشرية، حيث أجبر معظم سكان الرقة على دفع مبالغ طائلة بغية تحصين المدينة أمام المعركة التي كان من المفترض أن تنطلق مع بداية أبريل (نيسان).

ويسعى التنظيم الذي يعتمد بشكل كبير على المقاتلين المشاة، إلى مواجهة حرب الطائرات من خلال تشويش رؤيتها عن طريق إشعال النيران في حاويات إسمنتية يملؤها النفط ما يشكل غطاءً جوياً هشاً لمقاتلي التنظيم أمام الطائرات الحربية.

الأكياس الرملية والحواجز الترابية، تضاعف مدة القتال، وتمكن التنظيم الإرهابي من تهيئة الظروف بشكل مناسب لعمليات القنص، وحرب العصابات التي يبرع بها مقاتلوه خصوصاً أن الحاويات النفطية ستعمل إلى حد ما على تحييد حركة الطيران ما يطيل مدة المعركة.

تدويل المعركة
لم تكن معركة الموصل التي ما زالت مستمرة لترجع كفة القوات العراقية دون تدخل قوات التحالف الدولية بقيادة أمريكا، التي ضاعفت حجم الخسائر في صفوف داعش، وعلى غرار الموصل يحشد الجيش الأمريكي قواته وآلياته العسكرية المصفحة وناقلات الجند والعتاد على أطراف الرقة تحضيراً للمعركة التي تهدف لمسح ظاهرة داعش والتغلب على مقاتليه بفترة وجيزة.

وهذه المرة أتى التدخل الأمريكي فعلياً وليس إدارياً فقط، وخاصة بعد إنشاء الجيش الأمريكي لقاعدة عسكرية مصغرة في قرية خنيز بريف الرقة الشمالي، والتي تبعد نحو 30 كيلو متراً عن قلب المدينة، وتشكل هذه القاعدة منصة لتحريك معركة الرقة عسكرياً وإدارياً كما يمكنها موقعها الاستراتيجي من مراقبة سير القتال بشكل جيد، ومن خلال تعزيز تحصينات القاعدة بآليات عسكرية كبيرة تتقدمها دبابات "هاوتزرز" التي نشرها الجيش في قرية المعيزيلة شمال الرقة تصبح الحرب أشد على داعش وحده بعد اتخاذه لتدابير فوضوية غير منيعة.

انتصارات أولية
قوات سوريا الديمقراطية التي تسعي جاهدة للقضاء على عناصر داعش في مدينة الرقة، حققت مؤخراً نصراً رمزياً بعد تمكنها من دخول أطراف المدينة وقطعها لطرق الإمداد الرئيسية لداعش من جهات المدينة الغربية والشرقية، وأصبحت الآن على بعد 8 كيلومترات من الجهة الشمالية التي تعد الأقرب إلى قلب الرقة.
  
ساعة الصفر
شكلت الحشودات المحلية والدولية تضارباً في الأنباء حول موعد انطلاق ساعة الصفر لمعركة الرقة، وأعلن وزير الدفاع الفرنسي جان إف لودريان أن المعركة ستنطلق أول أبريل، مؤكداً أن المعركة لن تكون سهلة، لكن أهميتها أصبحت ملحة الآن لكسر شوكة التنظيم في سوريا بعد العراق.

لم يأت إعلان لودريان في موعده، وتأخرت الانطلاقة لمدة أطول، والتي قد تطول أكثر خاصة بعد تصريحات لمسؤولة كردية تدعى روجدا فلات أكدت من خلالها أن المعارك في إطار مدينة الرقة قد تعقدت الآن في ظل تزايد عدد الألغام التي يزرعها داعش وتهديداته المستمرة بنسف سد الفرات.

وأكدت عضو وحدات حماية الشعب الكردية أن موعد بدء الهجوم النهائي على الرقة قد يختلف قليلاً عن الموعد المستهدف الذي سبق وأُعلن أنه وهو أوائل أبريل (نيسان) قائلة "إجمالاً الحملة على المدينة سوف تبدأ في نيسان (أبريل) وإن لم تكن في بداية الشهر فإنها ستكون في منتصفه".

ضربة أخيرة
يعد سقوط الرقة نقطة أساسية لبداية نهاية داعش حيث أنها آخر مدينة تستهدفها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في محاولاتها لتخليص العراق وسوريا من الجماعة المتطرفة. ومن المتوقع أن تستغرق حملة السيطرة على الرقة عدة أسابيع على عكس معركة الموصل.

ما بعد المعركة
ولكي لا تغرق المدينة في فوضى لا نهاية لها، يسعى التحالف الدولي لتمكين قوات سوريا الديمقراطية لتسليمها الأمور الأمنية في الرقة بعد استعادتها من تنظيم داعش. كما أن الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، يعد خططاً متقدمة لتشكيل مجلس مدني لقيادة المدينة بمجرد السيطرة عليها. كما سيتألف المجلس بالأساس من عرب بما يتسق مع الطبيعة السكانية للرقة لكنه سيضم أيضاً مقاتلين أكراداً وعناصر من مجموعات عرقية أخرى تشكل مجتمعة طبيعة الرقة السكانية والجغرافية.