الميليشيات الشيعية في سوريا.(أرشيف)
الميليشيات الشيعية في سوريا.(أرشيف)
الأحد 2 أبريل 2017 / 19:26

سوريا بعد الحرب!

طرفان أسهما في تدمير سورية هما النظام وجماعات الإسلام السياسي. الأوّل شق الطريق إلى الحرب الأهلية، كاستراتيجية للبقاء، والثانية استولت على الثورة السورية، كجزء من مشروع وهمي وجنوني معولم

إذا خرجت سوريا من جحيم الحرب الأهلية بلداً مُوحّداً (وهذا مجرّد احتمال في الوقت الحالي)، وعندما تخرج، فلن تكون البلد الذي كانت عليه قبل اندلاع الثورة على نظام آل الأسد، والسقوط في هاوية وجحيم الحرب الأهلية، ودخول قوى وميليشيات أجنبية. ذلك البلد الذي نعرفه قد انتهى.

النهاية لا تعني أن الشعب السوري سيختفي من الوجود، ولا تعني أن دولة موُحدة، بصيغة ما، لن تقوم لها قائمة هناك، بل تعني أن وجود مثل هذه الدولة المُوّحدة، ونجاح الصيغة، يحتاج عقوداً طويلة قبل تطبيع الحياة، وعلاج الشروخ والجراح السياسية والاجتماعية والثقافية، وتذويب التمركزات الطائفية والعصبيات، التي خلقتها الحرب. وإذا افترضنا أن نظام آل الأسد تمكّن من البقاء على رأس دولة كهذه، فهذا يعني في نظر الخارجين على سلطته، وبيئاتهم الاجتماعية، أن فريقاً في البلد تمكّن من إخضاع فريق آخر بالقوة. ولأمر كهذا تداعيات، بعيدة المدى، يصعب حصرها.

وحتى في حال خروج رأس النظام من المشهد السياسي، وإدارة البلاد (وهذا يبدو مُستبعداً في الوقت الحالي)، فإن الجراح التي نجمت عن الحرب، والشكوك المتبادلة بين سكّان وجدوا أنفسهم، على جانبي خط القتال، الذي لم تنج منه بلدة أو مدينة أو ناحية في سوريا، وولدت بينهم أحقاد وثارات، لن تمكّن أحداً من الكلام عن الاستقرار، والسلم الأهلي، في سورية، في وقت قريب.

تُضاف إلى هذا كله حقيقة أن نصف سكّان البلاد أصبحوا نازحين في الداخل ولاجئين في الخارج، وأن عدداً كبيراً من اللاجئين خارج البلاد لن يتمكنوا لسبب أو آخر، أو لن يرغبوا في العودة، بمحض إرادتهم، في حال انتهاء الحرب، وأن عدداً كبيراً من النازحين في الداخل لن يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم، وبلداتهم وقراهم الأصلية، إما لأنها لم تعد قائمة، أو لأنها تفتقر إلى الخدمات الضرورية للعيش، أو لأنها أصبحت جزءاً من مناطق يُحظر عليهم، أو يخشون العودة إليها.

ويتضح، في سياق كهذا، أن المجتمع السوري، بخصائصه الديمغرافية والثقافية التقليدية، الذي أنجبته عقود طويلة، من العيش والتعايش بين مكوّنات دينية وطائفية وقومية مختلفة، اصبح على رأس قائمة الضحايا. فالحرب خلقت وقائع ديمغرافية واجتماعية وثقافية جديدة ودائمة. وهذا دليل إضافي على حقيقة أن سورية ما قبل الحرب الأهلية، حتى وإن خلصت النوايا، في ظل حل يضع حداً للحرب، لن تشبه ما كانت عليه قبلها.

ولا ينبغي التقليل من شأن كل ما تقدّم، فهذه كلها حقائق موضوعية، وتتجلى في صورة فواتير اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، وثقافية، ينبغي تسديدها لتتمكن سورية الجديدة من التعافي، الذي يحتاج عقدين من الزمن على الأقل. وهذا ليس بالأمر السهل، أو المُتاح، طالما من المُستبعد أن يتكرر في سورية ما يشبه مشروع مارشال، الذي انتشل ألمانيا من حطام الحرب العالمية الثانية.

موارد سورية قليلة، وأصبحت أقل بعد اندلاع الحريق المُستمر منذ ستة أعوام. وحتى إذا وضعنا السياسة جانباً، فإن إعادة ترميم البنية التحتية في التعليم والصحة والزراعة والصناعة، وإعادة تطبيع حياة المواطنين على مستوى السكن، والخدمات، وإعادة الحياة إلى الدورة الاقتصادية، يستدعي توفّر واستثمار مليارات كثيرة من الدولارات، وفي حال عدم وجودها (على الأرجح) فإن ما تقدّم لا يرجّح صعوبة وعسر إمكانية التعافي وحسب، بل ويضع خيار العودة إلى الحرب الأهلية على قائمة الاحتمالات، أيضاً.

طرفان أسهما في تدمير سورية هما النظام وجماعات الإسلام السياسي. الأوّل شق الطريق إلى الحرب الأهلية، كاستراتيجية للبقاء، والثانية استولت على الثورة السورية، كجزء من مشروع وهمي وجنوني معولم، وأفرغتها من كل مضمون سياسي وإنساني مُحتمل. كلاهما لن يختفي من سورية في وقت قريب. وكلاهما يزيد من صعوبة وعسر إمكانية التعافي.

وإلى جانب الطرفين ثمة القوى النظامية والميليشياوية الأجنبية، التي دخلت سورية، وأصبحت لها اليد الطولي هناك، وفي وجودها ما لا يجعل إمكانية الحل عسيرة وحسب، بل وما يضع، أيضاً، في كل حل محتمل لغماً لا يعرف أحد كيف، ومتى، ينفجر. وهذا ما لا ينبغي أن يغيب عن الذهن كلما أطلت علينا أخبار جولة جديدة من مفاوضات حل "الأزمة" السورية.