من مسرحية "مش رح ندفع" للينا أبيض.(أرشيف)
من مسرحية "مش رح ندفع" للينا أبيض.(أرشيف)
الإثنين 3 أبريل 2017 / 19:44

داريو فو في بيروت

حصول داريو فو على نوبل ويساريّته بل ماركسيته لم يجعلا له حظوة عند مسرحيينا، رغم أنّ الجوّ الثقافي، والمسرحي أيضاً، كان يغلي يومذاك بالأفكار اليساريّة والمسرح البريختي بوجه خاصّ

داريو فو الذي توفي 2016 لم يكن مؤلفاً مسرحياً فحسب، بل جمع إلى ذلك الإخراج والتمثيل والارتجال فكان بذلك الفنّان الكامل، أمّا مسرح داريو فو فيتصّل بالتراث المسرحي الإيطالي الّذي تمتدّ جذوره إلى القرن الخامس عشر وطالما أشاد بذلك. ففي خطابه في استوكهولم لدى نيله جائزة نوبل قال إن معلّمه الأوّل هو روزانتي ملهم الكوميديا دو لارتي والسابق في المسرح على شكسبير. هذا الإرث لا بد أن يكون شعبيّاً وأن يجمع الأقنعة والإرتجال والفارس. كذلك كان داريو فو في نصّه كما في إخراجه وتمثيله، هوالمتحدّر من أسرة ممثلين أباً عن جدّ، نجده يلجأ إلى هذا المورد الشعبي ويمزج بين الإيماء والإرتجال وما خلّفته الكوميديا دولارتي، كلّ ذلك في خطاب معاصر لا يغفل الواقع الإيطالي ويتناوله بنظر محتّج معترض، وبكلمة يساري. فالفنّان الّذي حارب الفاشيّة وخطفت الحركة الفاشيّة زوجته في السبعينات لم يثنه ذلك ذلك أو يثنيها، وهي الممثّلة وشريكته في المسرح،عن النضال.

كان داريو فو فنّاناً شعبيّاً بحقّ، ليس في إيطاليا وحدها وإنّما في أوروبا كلّها. مع ذلك عدّ حصوله على جائزة نوبل شطحاً من الجائزة وتفرّداً، الأمر نفسه الّذي استعيد لدى حصول بوب دايلن على الجائزة هذا العام.

حصول داريو فو على نوبل ويساريّته بل ماركسيته لم يجعلا له حظوة عند مسرحيينا، رغم أنّ الجوّ الثقافي، والمسرحي أيضاً، كان يغلي يومذاك بالأفكار اليساريّة والمسرح البريختي بوجه خاصّ، وليس لهذا من سبب معلوم. قد تكون اللغة الإيطاليّة بعيدة عنّا إلاّ أنّ داريو فو مترجم إلى اللغات الأوروبيّة معروف فيها. قيام المخرجة اللبنانيّة لينا أبيض بترجمة إحدى مسرحيّاته المعروفة، عن الفرنسيّة التي استعارت منها العنوان "مش رح ندفع" وإعدادها للمسرح خطوة في هذا السياق، ولعلّ جمال المسرحيّة وجاذبيتها وإعدادها الناجح للعربيّة تثبت كم نحن بحاجة إليها.

نعم.. تعرّفنا على داريو فو باستمتاع، شاهدنا مسرحيّة لينا أبيض بقدر كبير من الأنس. لينا عرفت كيف تدير مسرحيّة "فارس" مع بقايا من الكوميدي دولارتي بقدر من الخفة والتوازن شبه الحسابي والسلاسة، عرفت أيضا كيف تعدّ مسرحيّة إيطاليّة شعبيّة للمسرح العربي مع بقائها على شعبيّتها، وبدون أن تغرق في حركة سيّالة ومبعثرة وفوضويّة، كما هي الحال في الكوميديات الشعبيّه التلفزيونيّة العربيّة. لقد نجحت في تعريب كوميديا داريو فو بدون أن تنتهك إيطاليتها أو تجازف بروح وفنّ ومعاصرة داريو فو.

مسرحيّة "مش رح ندفع" لايمكن تلخيصها بسهولة. إنّها تدور حول محاور وإستقطابات، بدون أن تشكّل سياقاً حدثيّاً متتابعاً. إنّها دوران حول بؤر أساسيّة وعرضيّة بنفس المقدار. هذا الدوران يستمرّ في حلقات متتابعة متواترة بحسب إخراج لينا أبيض، بحيث يسود مبدأ اللعب، المسرحيّة في إعدادها العربي اللبناني لعبة كبيرة إذا شئنا، مع ذلك، أن ننقل جوّ المسرحيّة قلنا أنّ عصبها أو حادثتها المركزيّة المرشّحة للتكرار هي قيام النسوة، في غمرة النقاش والفوضى الّتي تسبّبت عنه، بأخذ البضائع كما اتفّق حسب الإستطاعة، وحملها إلى منازلهنّ بدون دفع أثمانها. هذه الحادثة الّتي تثير جدلاً حول الشرف والحقّ وتتبرأ منها حتّى فاعلاتها وبالطبع أزواجهنّ، تستدعي بالطبع تدخّل البوليس الّذي يشكّل تدّخله حلقة جديدة من الدوران، إلى جانب حلقة النسوة اللواتي أخذن البضائع دون أن يدفعن وحلقة الأزواج الّذين يتخبّطون في الحدث، حلقات سريعة تقطع الأنفاس وتحوّل العمل إلى لعبة، قبل أن ينتهي الأمر بالجميع، الأزواج وحتّى الشرطة، إلى تكرار الجناية نفسها، فحين تعرض الفرصة ويجدون أنفسهم أمام بضائع متروكة ومتاحة لايردّون أنفسهم عن مدّ اليد اليها وحملها، دون دفع، إلى منازلهم.

الحركة الثانية عرضيّة فحين تحشو إمرأة تحت ثوبها بضائع مما هبّ ودبّ،لا تجد زميلتها، لتبرّر ذلك سوى أن تقول إنّها حامل. لقد حملت في يوم واحد ودون علم زوجها. ستدور، مع ذلك، قصّة هذا الحمل الكاذب وتتواتر في المسرحيّة، إلى أن نجد في نهايتها شرطيّاً حاملاً يسقط من الخزانة المتهاوية.