صورة رمزية.(أرشيف)
صورة رمزية.(أرشيف)
الأربعاء 5 أبريل 2017 / 19:46

سرعات العولمة الفائقة

علمتنا العولمة أنها تنطلق بسرعات فائقة، في كل الاتجاهات، وتخلق الفوضى في تجاوزها الكوني، الكارثي. تتخطى دائماً الما بعد. ما بعد الحداثة، ما بعد الأيديولوجيا،

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، واقتراب موعد الانتخابات النهائية الفرنسية، كلها أمور تحمل كثيراً من تداعيات الفوضى المُعوْلَمَة الخلاَّقة. على سبيل المثال، طلبتْ رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن رسمياً من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أن تسمح لها بإجراء استفتاء ثان على استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة. جاءتْ جرأة نيكولا ستيرجن مباشرةً بعد خطاب تيريزا ماي الرسمي الموجَّه إلى رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، لبدء فعاليات طلاق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. خطاب الانفصال البريطاني استدعى خطاب الانفصال الاسكتلندي. هل ستمنع حُمرة الخجل الملكة إليزابيث الثانية، من الخروج في اللحظة الأخيرة، كما فعلتْ في الاستفتاء الأول 2014، وطلبتْ من الاسكتلنديين أن يفكروا جيداً حول المستقبل، إشارةً إلى أنها لا تقبل بالانفصال أو بالديمقراطية في الأوقات الحرجة؟ أم ان الدماء الزرقاء الملكية الباردة الراكدة في عروقها، ستمنحها وقاحة الطلب للمرة الثانية؟

من جهة ثانية، طلب مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق لدونالد ترامب، الحصول على الحصانة، وعدم الملاحقة القضائية، ليدلي بشهادته فيما يتعلق بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية. طلب الحصانة من مايكل فلين، يعني أن لديه ما يُحكم أنشوطة الديمقراطيين حول رقبة دونالد ترامب أكثر فأكثر إلا إذا أدرك الجمهوريون قطع الأنشوطة في لحظة ما، كما حدث مع وزير العدل الأمريكي جيف سيشنز الذي عينه ترامب، واتُهِم بلقاء السفير الروسي مرتين أثناء إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما. أمريكا التي تعالتْ على نظرية المؤامرة التي توصف بها تدخلاتها في سياسات دول كثيرة، تتهم الآن عبر نظرية المؤامرة المضحكة الخشنة، أن مايكل فلين تحدث في وقت سابق مع قناة "آر. تي" التلفزيونية التي يصرف عليها الكرملين. وهي أيضاً قناة "آر. تي" الأمريكية التي تعمل على الأراضي الأمريكية، والتي انتقل إليها من "السي إن إن" الإعلامي الأمريكي الأشهر لاري كينغ. ماذا لو أجرى مرشح رئاسي لدولة أخرى، حديثاً مع "السي إن إن"، واتُهم هذا المرشح من دولته العميقة، بالجاسوسية لكون "السي إن إن" على علاقة قوية بجهاز الاستخبارات الأمريكية؟

ومن جهة ثالثة تخاف فرنسا في انتخاباتها، تكرار سيناريو اليمين الشعبوي الأمريكي بمارين لوبان أو فرانسوا فيون، ولهذا تقف بكل آلتها الإعلامية وراء إيمانويل ماكرون مرشح الوسط. ورغم زيارة مارين لوبان الصريحة المُعْلَنَة لفلاديمير بوتين إلا أن آخر استطلاعات الرأي، تقول بتفوق ماكرون بواحد في المئة فقط على لوبان. وهناك سخريات خافتة تقول إن تفوق الواحد في المئة، هو دفع لشؤم ذكرى استطلاعات الرأي الأمريكية الكاسحة، المُبالَغ في ثقتها، التي كانت تتفوق فيها هيلاري كلينتون على دونالد ترامب ب 15% وأحياناً 20%. إن جرح الانتخابات الأمريكية السابقة الذي لم يندمل بعد، ماثلاً أمام الفرنسيين. وجاء تحذير وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت، بأن ليست روسيا مَنْ تقوم باختيار الرئيس التالي للجمهورية الفرنسية، ضعيفاً قياساً بزيارة مارين لوبان الجريئة لبوتين، وهي زيارة لم تحدث من دونالد ترامب لبوتين قبل انتخابه، أي أن لوبان تقدمتْ خطوة على ترامب، وتلعب على المكشوف، بينما العميقة الفرنسية تردد بقلة حيلة نفس اتهامات التدخل في شؤونها الداخلية.

علمتنا العولمة أنها تنطلق بسرعات فائقة، في كل الاتجاهات، وتخلق الفوضى في تجاوزها الكوني، الكارثي. تتخطى دائماً الما بعد. ما بعد الحداثة، ما بعد الأيديولوجيا، ما بعد الكولونيالية، ما بعد الدولة الإسلامية، ما بعد الربيع العربي، ما بعد داعش. لم تكن كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، تتوقع أن فوضى العولمة الخلاقة، الموجهة في الأساس للشرق الأوسط، ستجد حظاً لها في بركزيت بريطانيا، والانتخابات الأمريكية، وربما الانتخابات الفرنسية. لم يتوقع مؤسسو العولمة أنها تحمل خلايا سرطانية، وأنها ستهاجم نفسها في النهاية. بركزيت كانت ضربة صريحة لشمولية العولمة. فها هو رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر يهدد بأنه سيدعو ولاية أوهايو وولاية تكساس للخروج من الولايات المتحدة الأمريكية إذا واصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإشادة بعملية بركزيت. ويُحذر بريطانيا العظمى، من أن فاتورة الخروج ستكون باهظة. التعبير العامي: وقعوا في بعض. ناولني يا ابني كيس شيبسي وشوية كاجو. العولمة لا تميز بين البناء والهدم، بين التكتل والتفكك، المهم أن يتم هذا أو ذاك بسرعات فائقة، سرعات العولمة صيغة مجدها.