السبت 8 أبريل 2017 / 20:23

ما بعد مطر التوماهوك

بصورة أولية سُجلت ضربة مطار الشعيرات على فاتورة مصداقية ترامب، الموضوعة تحت الاختبار فالرجل وعد بإعادة أمريكا الى وضع القوة المخيفة التي يرهبها الجميع، ولا مكان أفضل سورية لاثبات هذه المصداقية.

إخراج مطار رئيسي من الخدمة، وتفادي الطائرات الروسية الرابضة على أرضه لابد وأن يكون له ما بعده في مسألة الحرب والسلم ومستقبل سوريا.

لم يكن أي من المراقبين وخبراء الحرب في سوريا، وصل بتقديراته حد توقع ما حدث، فالجميع كان مأخوذاً بالتردد الأمريكي النمطي في حجم التدخل العسكري، غير أن ترامب الذي يشتهر بصفة صارت لصيقة به، أي الرجل الذي يصعب توقعه، فعلها وما زال العالم يتناقش ويحاول التعرف على الخطوة التالية.

النتائج الأولية لإخراج المطار من الخدمة عبر مطر التوماهوك، يمكن تلخيصها تقريباً على النحو التالي:

هبط اطمئنان بشار الأسد إلى أنه لم يعد إقصاءه أولوية أمريكية إلى ما دون الحد الأدنى، لقد قرأ تصريحات ديبلوماسية أمريكية من خلال رغبته وليس من خلال مدلولاتها المباشرة وغير المباشرة، واذا كان هو من يتحمل مسؤولية قصف خان شيخون بالكيماوي، فإن ما شجعه على ذلك هو الموقف الأمريكي الملتبس الذي فُسّر بأن الإطاحة بالاسد لم تعد أولوية أمريكية، بل يتقدم عليها إنهاء داعش واخواتها.

وفي السياسة كثيراً ما تحدث كوارث ومضاعفات تنهي نظما ودول بفعل عدم الدقة بقراءة مواقف اللاعبين الكبار، وأبرز دليل على هذا حين فهم صدام حسين صمت السفيرة الأمريكية حيال تهديداته باجتياح الكويت، على أنه قبول وتشجيع، فكان ما كان، ولا داعي لسرد الحكاية من جديد.

كذلك فإن مطر التوماهوك المباغت شكّل فرزاً "بالعتاد الحي في مواقف الدول وخصوصا المتوغلة بصورة مباشرة وغير مباشرة بالحرب المحتدمة في سورية وعليها".

المؤيديون للضربة أكثر بكثير وربما أقوى من الذين عارضوها ولعل ترمب كان بحاجة لفرز كهذا كي يعرف أين يضع قدمه في الخطوة التالية، وحين ترتفع أصوات باستحداث مناطق عازلة لأسباب إنسانية أو تحديد خطوط يحظر الطيران داخلها أو تطمين إسرائيل إلى ان حدودها الشمالية صارت خالية من التهديدات، وقد يكون ذلك كله ليس فقط مطروحاً على البحث، بل ربما مطروحاً على التنفيذ.

الدولتان المرشحتان لمحاذاة المناطق العازلة وهما الأردن وتركيا، لم يؤيدا الضربة فحسب، بل أعلنا بصريح العبارة عن حتمية إقصاء بشار عن الحكم.
والسؤال .. ليس ماذا سيفعل الأمريكان، بل ماذا سيفعل الروس والايرانيون الذين يتعكزون دولياً على بوليفيا.

أي احتكاك في هذه الأجواء المشحونة سيجر حتما مضاعفات خطرة، وتفادي الاحتكاك لا يمكن أن يكون ناجعاً إلا إذا عجّل الكبار في إنهاء عملية تقاسم النفوذ بتسوية سياسية.

العين الحمراء الأمريكية، مضطرة كي تواصل إخافة الآخرين أن تظل أنشطتها العملياتية طي الكتمان بفعل أهمية وجدوى المباغتة، وهذا وحده كافٍ لأن يدخل جميع اللاعبين في نفق مظلم لا يرون فيه حتى أصابع أيديهم، وفي حالة من هذا النوع تكون الأبواب المفتوحة على الخطر أوسع بكثير من الأبواب التي تحول دونه.

ولنراقب كغيرنا ما سيجري فدلالاته بعد مطر التوماهوك ستكون نوعية وفي طريقها إلى الحسم.