بارجة أمريكية تقصف مطار الشعيرات في سوريا.(أرشيف)
بارجة أمريكية تقصف مطار الشعيرات في سوريا.(أرشيف)
الأحد 9 أبريل 2017 / 20:07

بعض دلالات الضربة الأمريكية!

الواضح الوحيد أن نظام آل الأسد فقد كل مظهر محتمل للسيادة، وأنه مجرد بيدق كغيره من بيادق كثيرة، على الأرض السورية

لم تتضح بعد، وربما لن تتضح في وقت قريب، أبعاد وتداعيات الضربة العسكرية الأمريكية ضد قاعدة جوية لنظام آل الأسد. فهي الأولى من جانب الولايات المتحدة منذ اندلاع الثورة على النظام قبل ست سنوات. وهي الأولى في عهد الرئيس الجديد ترامب. ومن غير الواضح، حتى الآن، ما إذا كانت مقدّمة لضربات إضافية، أم مجرّد صفعة للنظام عقاباً على استخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين السوريين.

ومع ذلك، يمكن التفكير، وبما توفّر من معطيات، في دلالات منها:
انقلاب مزدوج في الموقف الأمريكي من الصراع في سورية وعليها. ففي عهد أوباما تجنّب الأمريكيون كل ما من شأنه الانخراط في أعمال عسكرية، أو دعم المعارضة المسلحة بطريقة فعّالة، حتى بعد خط أوباما الأحمر بشأن استخدام السلاح الكيماوي. وبهذا المعنى، يمكن الكلام، بعد الضربة الجوية، عن تحوّل في السياسة الأمريكية، لا نعرف حجمه، ولا أبعاده، ولكن فيه ما يدل على حقيقة أن سياسة الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تختلف عن سابقتها.

بيد أن الانقلاب في السياسة لا يختزل الموقف الأمريكي، ففي الضربة العسكرية ما يدل على انقلاب في موقف ترامب نفسه. فقبل الغارة بأيام قليلة ذكر وزير الخارجية الأميركي أن "مصير" الأسد يقرره السوريون، وهذا يعني أن خروج رأس النظام من الحكم لم يعد من أولويات السياسة الأمريكية. وفي زمن حملته الانتخابية لم يتورع ترامب عن إبداء إعجابه بشخصية الأسد. ويبقى السؤال عن طبيعة الحسابات الاستراتيجية والسياسية التي أدت إلى انقلاب مزدوج بهذا الحجم.

الأقرب إلى الذهن أن أوباما وجنرالات البنتاغون، وصقور الحزب الجمهوري، لم يتبنوا رؤية موّحدة للسياسة الأمريكية في سورية، والشرق الأوسط بشكل عام. وقد نظروا إلى بعض ما شهدته المنطقة من تحوّلات كتهديد للأمن القومي الأمريكي: التدخل والحضور العسكري الروسي في سورية (القاعدة البحرية والقواعد الجوية، ومنظومات الدفاع الجوي الاستراتيجية) زعزع التوازن الاستراتيجي في المتوسط، ودخول مقاتلي حزب الله، والحرس الثوري الإيراني، زعزع ميزان وقواعد الردع، كما استقرت منذ العام 1967، على جبهة الجولان، وموجة العمليات الإرهابية التي ضربت العالم، وبلدان عربية مختلفة، منذ صعود الدواعش في سورية والعراق، تهدد أمن واستقرار العالم، وهذا ما يصعب على الجنرالات الأمريكيين تجاهله.

وإذا كانت هذه أسباب موضوعية، فلا ينبغي استبعاد أسباب شخصية، أيضاً. فترامب يعاني من مشكلة حقيقية تتمثل في ما يُشاع في كل أجهزة الإعلام الأمريكية، وأروقة السياسة في واشنطن، عن علاقة غامضة من نوع ما بينه وبين الروس. وقد أدت هذه المشكلة، حتى الآن، إلى إقالة مستشاره الأوّل لشؤون الأمن القومي، الجنرال فلين، كما أدت إلى فتح ملفات لدى أجهزة القضاء والأمن. لذا، ربما أراد ترامب الذي زاد موازنة الدفاع، في الآونة الأخيرة، استرضاء الجنرالات، وقطع الطريق على المشككين في موقفه من الروس، ناهيك عن استرضاء صقور الجمهوريين الذين انتقدوا تهاون إدارة أوباما تجاه الأسد، وتقاعسها عن مجابهة التحدي الروسي في سورية.

وكل ما سبق لم يغب عن أعين بعض الأنصار التقليديين لترامب، في معسكر اليمين الجديد، الذين انتقدوا الضربة العسكرية لأنها تتناقض مع شعار حملته الانتخابية "أمريكا أولاً"، وتعني أنه تبنى استراتيجية المحافظين الجدد لضمان البقاء في البيت الأبيض. وحتى بعض ممثلي اليمين الأوروبي، مثل مارين لوبان، استغربوا الضربة، وعبّروا عن تحفظهم.

والواقع أن الضربة الأمريكية، على الرغم من محدوديتها، وحقيقة أن الأمريكيين أبلغوا الروس قبل وقوعها، إلا أنها سجّلت هدفاً معنوياً وسياسياً لصالح الأمريكيين على حساب الروس. فبعد نشر الروس لمنظومة الدفاع الجوي المتطوّرة في سورية، ساد اعتقاد لدى الكثيرين، وربما لدى حكّام دمشق، أن نظام آل الأسد أصبح محمياً بستارة من النيران، وهذا ما أثبتت الضربة الأمريكية بطلانه، وقبلها الغارة الإسرائيلية.

 هذا لا يعني، بالتأكيد، أن التفاهمات الميدانية بين الجانبين الأمريكي والروسي في مأمن في الانهيار، ولا يلغي احتمال تصعيد غير محسوب. فمن غير الواضح، حتى الآن، إلى أي حد يمكن أن تذهب موسكو في دفاعها عن نظام آل الأسد، ومن غير الواضح، أيضاً، إلى أي حد يمكن أن يذهب الأمريكيون في مجابهتهم للنظام.

الواضح الوحيد أن نظام آل الأسد فقد كل مظهر محتمل للسيادة، وأنه مجرد بيدق كغيره من بيادق كثيرة، على الأرض السورية، ولا يتجلى وقوف البعض إلى جانبه، أو ضده، وضربه أحياناً، إلا في صورة رسائل متبادلة بين كبار اللاعبين. لذا، ينبغي النظر إلى الضربة الأمريكية كنقلة صغيرة على رقعة شطرنج معقّدة، ومتعددة اللاعبين، والاستراتيجيات والبيادق.

هل هي بداية مرحلة جديدة، وهل تغيّر الموقف الأمريكي، فعلاً، وهل يصل الأمر إلى حد المجابهة بين الأمريكيين والروس، وما هو الرد المحتمل للروس بعد نقلة كهذه؟ هذه أسئلة مفتوحة، في صراع طويل ينفتح على احتمالات كثيرة.